للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يختص تحريمُه بِالإحْرَامِ، بل سَبَبٌ آخر، وهو كونه في الحَرَم، ولما اشترك السببان فيما يقتضيانه من التحَريم والجزاء، ومعظم المَسَائِلِ جَرَتْ العادةَ بخلط أحَدِهِمَا بِالآخر، وذكر ما يَشْتَرِكَانِ فيه، وما يختص به كُلُّ وَاحِدٍ منهما في هَذَا المَوْضِعِ، فقد جعل صاحب الكتاب الكلام في السَّبَبِ الأول في نظرين:

أحدهما: في الصيد المحرم، وفيما يجب به ضمانه.

والثاني: في أن الضَّمَانَ مَاذَا؟

أما الأول فالصَّيْدُ المُحَرَّمُ كل مأكول متوحش لَيْس مَائِياً، هذه عبارة صَاحِبِ الكِتَاب في "الوَسِيط"، واستغنى هاهنا بلفظ الصيد عن المتوحش، فإنه لا يقع عن الحَيَوَانَاتِ إلا نسية، وبين ما يدخل في الضَّابِطِ المَذْكُورِ، ويخرج عنه بصور:

إحداها: لا فرق بين المستأنس والوَحْشِي؛ لأنه وإن استأنس لا يبطل حكم توحشه الأصلي، كما أنه لو توحش إنسي لا يحرم التَّعرض لَهُ إِبقَاءٌ لِحُكْمِهِ الأَصْلِي.

وقال مالك: لا جزاء في المستأنس، ولا فرق في وجوب الجزائين بين أن يكون الصَّيْدُ مملوكاً لإنسان، أو مباحاً، نعم يجب في المملوك مع الجَزَاء، ما بين قِيمَتِهِ حَياً ومذبوحاَ لِحَقِّ المَالِكِ (١) وعن المزني: أنه لا جزاء في الصيد المملوك.

لنا ظَاهِرُ القُرْآنِ.

الثَّانِية: كما يحرم التعرض للصَّيْدِ، يحرم التعرض لأجزائه بالجرح والقَطْع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الحرم: "لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا" (٢).

ومعلوم أن القطع والجرح أعْظَم من التنفير، وإذا جرحه ونقصت الجِرَاحَةُ مِنْ قِيمَتِهِ، فسيأتي القول فيما يجب عليه في النَّظَرِ الثَّانِي، وإن بَرِئ ولم يبق نقصان ولا أثر، فهل يلزمه شَيْءٌ؟ فيه وجهان:

هذا كالخلاف فيما إذا جرحه فانْدَمَلَت الجِرَاحَةُ، ولم يبق نَقْصٌ وَلاَ شَيْنٌ، هل


= القولين، وسع ذلك يجب جزاؤه، واحترز بالبري عن البحري، فإنه لا يحرم للآية السابقة، ولا فرق فيه بين أن يكون البحر في الحرم أم في الحل كلما هو مقتضى إطلاق الرافعي وغيره، لكن في البحر عن الصيمري تحريم الاصطياد منه يعني من بحر الحرم، والبحري هو الذي لا يعيش إلا في البحر، فإن عاش في البحر والبر فهو كالبري تغليباً للتحريم. قاله في الخادم.
(١) قال النووي: قال أصحابنا: هذا إذا قلنا: ذبيحة المحرم حلال. فإن قلنا: ميتة، لزمه له كل القيمة، وقد ذكره الرافعي بعد هذا بقليل. وقال الماوردي وغيره: وإذا قلنا: ميتة، فالجلد للمالك. ينظر الروضة (٢/ ٤١٩).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٧٨، ١٨٣٤) ومسلم (١٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>