للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويروى أنه قال: "لاَ يُبَاعُ مِثْلُ هذَا حَتَّى يُفْصَلَ وَيُمَيَّزَ" (١).

والمعنى: أن قضية العقد إذا اشتمل أحد طرفيه على ماليين مختلفين وزع مال الطرف الآخر عليهما باعتبار القيمة، وذلك يوجب المفاضلة أو الجهل بالمماثلة.

أما إن قضيته ما ذكرنا فلأنه لو باع شِقْصاً من عقار وسيفاً بألف، وزع عليهما الألف باعتبار القيمة حتى إذا كانت قيمة الشّقص مائة، وقيمة السيف خمسين يأخذ الشَّفيع الشّقْص بثلثي الألف، وأيضاً فلو اشترى شيئين بألف فوجد بأحدهما عيباً، وأراد رده وحده بالعيب يرده بما يخصه من الألف إذا وزع عليهما باعتبار قيمتها، وكذلك لو خرج أحدهما مستحقّاً وأجاز المبيع في الآخر يجيزه بما يخصُّه من الألف باعتبار القيمة.

وأما أنه يلزم منه أحد الأمرين، فلأنه إذا باع مداً ودرهماً بمدّين، فإما أَنْ تكون قيمة المدّ الذي هو مع الدرهم أكثر من درهم أو أقل أو درهماً، فإن كان أكثر مثل أن يكون قيمته درهمين، فيكون المد ثلثي ما في هذا الطرف، فيقابله ثلثا المدين من الطَّرف الآخر، فيصير كأنه قابل مدّاً بمدّ وثلث، وإن كان أقل مثل أن يكون قيمته نصف درهم، فيكون المدّ ثلث ما في هذا الطرف، فيقابله ثلث المُدَّين من الطرف الآخر، فيصير كأنه قابل مداً بثلثي مدّ.

وإن كان قيمته درهماً فلا تظهر المُفَاضلة، والحالة هذه لكن المماثلة فيها تستند إلى التَّقْويم، والتقويم تَخْمين قد يكون صواباً وقد يكون خطأ، والمماثلة المعتبرة في الربا هي المماثلة الحقيقية، وهذه الطريقة مطردة فيما إذا باع مداً ودرهماً بمد ودرهم، لأن المدين من الجانبين إن اختلفت قيمتهما مثل إِن كان مد زيدٍ يساوي درهمين ومد عَمْروٍ يساوي درهماً، فمد زَيْد ثلثا ما في هذا الطرف يقابله من الطرف الآخر ثلثا مدّ وثلثا درهم، ويبقى ثلث مد وثلث درهم في مقابلة درهم، فإذا وزعنا صار ثلث مد في مقابلة نصف درهم، لأن قيمة مد عَمْرو درهم، وثلث درهم في مقابلة نصف درهم، فتظهر المفاضلة. وإن لم تختلف قيمتها لم تظهر المفاضلة، لكن المماثلة تخمين على ما مَرَّ.

واعترض الإمام على هذه الطريقة بأن العَقْد لا يقتضي في وضعه توزيعاً مفصلاً، بل مقتضاه مقابلة الجُمْلة بالجملة، أو مقابلة الجزء الشَّائع ممَّا في أحد الشِّقَّين بمثله مما في الشق الآخر بأن يقابل ثلث المد، وثلث الدرهم بما يقابل ثلث المدين، يعني إذا باع مداً ودرهماً بمدين، ولا ضرورة إلى تَكَلُّف توزيع يؤدي إلى التفاضل، وإنما يصار إلى التوزيع المفصل في مسألة الشُّفْعة لضرورة الشُّفْعة.


(١) أخرجه مسلم (١٩٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>