للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البدن، ونجاسة موضع منه أشبه بالباقي من موجبات الغسل، وقد امتنع صاحب الكتاب، ومعظم الأئمة منه، فتعين الثاني، وحينئذ، إما أن يكون المعتبر مطلق النية، أو النية من صاحب الأعضاء المغسولة، فإن كان الثاني لم ينتظم عد الموت من موجبات الغسل، وكان إطلاق الغسل في الميت بمعنى آخر، وإن كان الأول فغسل الميت إنما يكون من هذه الجملة، إذا كانت النية معتبرة فيه من جهة الغاسل، ولنا في ذلك وجهان. سيأتي ذكرهما في باب الجنائز:

الثالث: الولادة فلو ولدت ولداً ولم تر بللاً ولا دماً، ففي وجوب الغسل عليها وجهان:

أحدهما: لا يجب لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ" (١) فإنه ينفي وجوب الغسل بغير الإنزال خالفنا في الأسباب المتفق عليها، فيتمسك به فيما عداها، وأظهرهما: الوجوب لأنه لا يخلو عن بلل وإن قل غالباً، فيقام الولد مقامه كالنوم يقام مقام الخروج لمقارنته إياه غالباً، ولأنه يجب الغسل بخروج الماء الذي يُخْلَقُ الولد منه، فبخروج الولد أولى ويجري الوجهان في إلقاء العلقة والمضغة.

قال الغزالي: وَالجَنَابَةُ، وَحُصُولُهَا بِالْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ أَوْ بِإيلاجَ قَدْرِ الحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِ الحَشَفَةِ فِي أَيِّ فَرْج كانَ مِنْ غَيْرِ المَأْتِيِّ أَوْ مَيِّتٍ (ح) أَوْ بَهِيمَةٍ (ح)، وَبِخُرُوجِ المَنِيِّ، وَخَوَاصُّ صِفَاتِهِ ثَلاَثَةٌ: رَائِحَةُ الطَّلْعِ، وَالتَّدَفَّق بِدَفَعَاتٍ، وَالتَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ، فَلَوْ خَرَجَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ لاسْتِكْثَارِ الوِقَاعِ وَجَبَ الغُسْلُ لِبَقِيَّةِ الصِّفَاتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ (ح م) بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ خَرَجَ بَقِيَّتُهُ بَعْدَ الغُسْلِ حَصَلَتْ (م) الجَنَابَةُ إذَا بَقِيَتْ رَائِحَةُ الطَّلْعِ، وَلَوِ انْتَبَهَ وَلَمْ يَرَ إلاَّ الثَّخَانَةَ وَالبَيَاضَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَدْيًا فَلاَ يَلزَمُهُ الغُسْلُ، وَالمَرْأَةُ إذَا تَلَذَّذَتْ بِخُرُوجِ مَاء مِنْهَا لَزِمَهَا الغُسْلُ، وَكَذَا إِذَا اغْتَسَلَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ بَعْدَهُ فَإنَّهُ لاَ يَنْفَكُّ عَنْ مَائِهَا.

قال الرافعي: السبب الرابع: الجنابة ولها طريقان: إحدهما إلتقاء الختانين: قالت عائشة -رضي الله عنها-: "إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَد وَجَبَ الْغُسْلُ (٢) فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاغْتَسَلْنَا"، وفسر الشافعي -رضي الله عنه- التقاء الختانين فقال: المراد منه


(١) أخرجه مسلم (٨٠ - ٨١ - ٣٤٣) وأبو داود (٢١٧) وابن حبان (١١٥٤) كلهم من رواية أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٢) أخرجه الشافعي في الأم (١/ ٣٦) وأحمد في المسند (٦/ ١٦١) والترمذي (١٠٨ - ١٠٩) وقال: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وابن ماجة (٦٠٨) وابن حبان (١١٦٣ - ١١٦٩) وصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>