للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَيْسَ (و) لَه مَنْعُ صَاحِب السُّفْل مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِسُفْلِهِ وَلاَ أنْ يُغَرِّمَهُ (و) قِيْمَة ما بَنَاهُ مِنَ الجِدَارِ والسَّقْفِ، وَمَنْ لَهُ حَقُّ إِجْرَاءِ المَاءِ في مِلْكِ الغَيْرِ فَلا يُجْبَرُ عَلَى العِمارَةِ بِحَالٍ.

قال الرَّافِعِيّ: الأمر الثالث: العمارة، فإذا هَدَمَ أحدُ الشَّرِيكين الجِدارَ المشترك من غير إذن صاحبه لاستهدامه، أو من غير استهدامه، ففي "التهذيب" وغيره أن النصَّ إجْبَارُ الهَادِمِ على إعادته، وأن القياس أنه يغرم النّقْصَان، ولا يجبر على البِنَاءِ؛ لأنّ الجِدَارَ ليس بمثلي (١)، ولو استهدم الجدار بنفسه أو هدماه معًا، إما لاستهدامه أو لغير استهدامه ثم امتنع أحدهما عن العِمَارة فقولان:

القديم: وبه قَالَ مالِكٌ وأحمد في المَشْهُورِ عنهما: أنه يجبر الممتنع على العمارة دفعًا للضرر عن الشُّرَكَاءِ وصيانَةَ للأملاك المُشْتَركة عن التَّعْطِيلَ.

والجديد: أنه لا يجبر كما لا يجبر على زراعة الأرْضِ المُشْتَركة وكما أن طالب العمارة قد يتضرر بامتناع الشَّرِيك، فالشَّرِيك يتضرر بتكليف العِمارة، ويجري القَوْلاَنِ في النَّهر المُشْتَرك، والقناة والبئر المشتركين إذا امتنع أحد الشُّرَكاءِ من التنقية والعمارة (٢)، وهل يجبر؟ وعند أبي حنيفة يُجْبَر في النَّهْر، والقناة، والبئر، ولا يجبر في الجِدَارِ، ولو كان عُلُوُّ الدار لواحِد، وسفلها لآخر، فانهدمت فليس لصاحب السفل إجبار صَاحِب العلو على إعادته، وهل لصاحب العُلُو إجبار صاحب السفل على إعادة السّفل ليبنى عليه؟ فيه القولان، ومنهم من قال القولان فيما إذا انهدم أو هدماه من غير شَرْطٍ، أما إذا استهدم فهدمه صاحب السفل بشرط أن يعيده أجبر عليه قولًا واحدًا،


(١) قال النووي: فقد ذكر صاحب "التنبيه" وسائر العراقيين، وطائفة من غيرهم، فيما إذا استهدم، فهدمه أحدهما بلا إذن، طريقين: أصحهما: القطع بإجباره على إعادة مثله. والثاني: فيه القولان السابقان في الإجبار ابتداء، أحدهما عليه إعادة مثله، والثاني لا شيء. وقطع إمام الحرمين في أواخر باب "ثمرة الحائط يباع أصله" بأن من هدم حائط غيره عدوانًا، يلزمه أرش ما نقص، ولا يلزمه بناؤه؛ لأنه ليس بمثلي، والمذهب ما نص عليه. ينظر الروضة ٣/ ٤٤٩.
(٢) قال النووي: لم يبين الإمام الرافعي الأظهر من القولين، وهو من المهمات، والأظهر عند جمهور الأصحاب هو الجديد. ممن صرح بتصحيحه: المحاملي، والجرجاني وصاحب "التنبيه" وغيرهم. وصحح صاحب "الشامل" القديم، وأفتى به الشاشي وقال الغزالي في "الفتاوى": الأقيس، أن يجبر. وقال: والاختيار، إن ظهر للقاضي أن امتناعه مضارة، أجبره. وإن كان لإعسار، أو غرض صحيح، أو شك فيه، لم يجبر. وهذا التفصيل الذي قاله، وإن كان أرجح من إطلاق القول بالإجبار، فالمختار الجاري على القواعد أن لا إجبار مطلقًا. ينظر الروضة ٣/ ٤٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>