للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحوه، وهذا كما أنه لا يقبل التأقيت بأن يقول: أنا ضَامِن إلى شَهْر فإذا مضى ولم أغرم فأَنَا بَرِئ، وعن ابْنِ سُرَيْجٍ أنه إذا جاز على القَدِيم ضمان المَجْهُول، وما لم يَجِب جَازَ التَّعْلِيق؛ لأن من ضرورة الضَّمَان قبل الوُجوب تعليق المَقْصُود بالوُجُوبِ, وبه قال أَبُو حنيفة فيما رواه صاحب "البيان"، قال الإمام: ويجيء في تَعْلِيق الإبراء القَوْلاَن بِطَرِيقِ الأَوْلَى، فإن الإِبْرَاء إسْقَاط، قال: وكان لا يمتنع من جِهَةِ القياس المسامحة به في الجديد أيضاً؛ لأن سبب امتناع التعليق في العقود المشتملة على الإيجاب والقبول خروج الخِطَاب، والجواب بسببه عن النظم اللاَّئِق بهما، فإذا لم يشترط فيه القبول كان بمثابة الطَّلاق والعتاق.

فإذا فرعنا على القديم فلو قال: إذا بعت عَبْدَك بألف فأنا ضَامِن للثَّمَنِ، فباعه بَألْفَيْنِ فعن أَبِي يُوسف أنه يصير ضَامِناً لألف؛ لأن مَقْصُود الضَّامِن أن الزِّيَادَةَ على الألف غير مُلْزمة، ولا غَرَضَ له في قَدْرِ الثمن، وجعله صاحب "التقريب" وجهاً لنا، قال ابْنُ سُرَيْجٍ: لا يكون ضامناً لِشَيْء؛ لأن الشَّرْطَ وهو البيع بألف لم يتحقق ولو باعه بخمسمائة ففي كونه ضَامِناً لها الوَجْهَان.

ولو قال: إذا أقرضته عَشْرة فإنا ضَامِنٌ لَكَ، فأقرضه خَمْسَةَ عَشَرَ فهو ضَامِنٌ لعشرة على الوجهين؛ لأن من أقرض خَمْسةَ عَشَرَ فقد أقرض عشرة، والبيع بخمسة عشر ليس بيعاً بعشرة، وإن أقرضه خَمْسة فعن ابْنِ سُرَيْجٍ تسليم كونه ضامناً لها، قال الإمام: وهو خلاف قِيَاسه؛ لأن الشَّرْطَ لم يتحقق، ولو علق كفالة البَدَنِ لمجيء الشَّهْرِ فإن جوزنا تعليق ضَمَان المَالِ فهذا أولى، وإن منعنا منه ففيه وجهان كالخلاف في تعليق الوكالة، والفرق أن الكفالة مبنية على المَصْلَحَة والحَاجة، فتتبع فيها الحَاجة، وإن علقها بحصاد الزَّرْعِ فالوجهان بالترتيب، وأولى بالمنع لانضمام الجهالة لوقت حُصُوله إلى التعليق، فإن عَلَّقها بقدوم زيد فالوجهان بالترتيب، وأولى بالمَنْعِ للجهل بأصْلِ حصول القُدُوم، والحصاد يحصد تقدم أو تأخر، فإن جوزنا فإذا وجد الشَّرط المعلق عليه صَارَ كَفِيلاً، وهذنه الصورة وترتيبها عزاها الإمام إلى ابْنِ سُرَيْجٍ.

ولو أقت كفالة البَدَن فقال: أنا كفيل به إلى شَهْرٍ، فإذا مضى برأت ففيه وجهان، وفي "التهذيب" قولان:

أظهرهما: المنع كما في ضَمَانِ المَالِ، ولو أنجز الكفالة وشرط التَّأْخِير في الإِحْضَار شهراً جَازَ لِلْحَاجة، وكذا في الوكالة وتوقف الإمام فيه من جهة أن المعتمد في الباب الحُضور، والحضور حق نَاجِز، إذ المدعى مهما أراد أحضره، فكان شرط التأخير فيه كَشَرْطِ التَّأجِيل في ضَمَانِ المَالِ الحَالِّ، وسنذكره على الإثر -إن شاء الله تعالى- وسياق المصنف ما رآه وجهاً في "الوسيط"، فأعلم بذلك قوله: هاهنا (جاز للحاجة)

<<  <  ج: ص:  >  >>