للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الأوَّلُ فَلاَ شَكَّ في أن التَّيمم يبطل بعروض الحدث، كالوضوء، ويختصُّ هو بالبطلان بعروض القدرة على استعمال الماء، فجعل كلام الحكم الأول فيه.

واعلم أن التَّيَمُّمَ على قسمين:

أحدهما: ما يرخص فيه مع وجدان الماء، كتيمُّم المريض.

والثاني: ما يكون بسبب إِعْوَازِ الماء، أو الحاجة إليه أو الخوف من الاسْتِقَاءِ، وما أشبه ذلك.

فالأول لا يتأثر برؤية الماء، وطلوع الرَّكْبِ بحال.

وأمَّا الثَّاني: فيتأثَرُ بذلك، وجملته أن ننظر إن رأْى الماء خارج الصَّلاَةِ، يبطل تيمُّمه لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذَرٍّ -رضي الله عنه-: "إِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فَأَمْسِسْهُ جِلْدَكَ" (١)، وكذا لو لم يتيقّن الظّفر بالماء، لكن ظنه كما لو طلع عليه ركب، أو أَطْبَقَتْ بِالقُربِ منه غَمَامَةٌ أو توهمه كما إذا تخيَّلَ سَرَاباً ماء؛ لأنه يجب عليه الطَّلب عند حدوث هذه العَوَارِض، وقد ذكرنا أنه إذا وجب الطَّلَبُ بطل التيمم، وإنما يبطل التَّيمم في هذه الصور، بشرط أن لا يقارن هذه العوارض مانع آخر من استعمال الماء، فلو قارنها مانع لم يبطل التَّيمم، [لأنه يجوز التَّيمم] (٢) ابتداء، فأولى أن يدفع البطلان دواماً، وذلك كما إذا وجد ماء، وهو محتاج إليه لِسَقْيِهِ أو وجده في قعر بئر، وهو عند العثور عليه عالم بتعذر الاسْتِقَاءِ، أو قال إنسان أودعني فلان ماء، وهو حين يسمع يعرف غيبة المودع، وما أشبه ذلك، وإن أرى الماء في الصَّلاة فلا يخلو إما أن تكون الصلاة مغنية عن القضاء، أو لا تكون فإن لم تكن مغنية عن القضاء كما إذا تيمَّم الحاضر لعدم الماء، وشرع في الصَّلاة، ثم رأى الماء في صلاته، فهل تبطل صلاته وتيممه؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، لأنه شرع في الصَّلاة بطهور أمر باستعماله، فيتمها محافظة على حرمتها، ثم يتوضأ ويعيد.

وأصحهما: نعم، لأنَّ الحاضر تلزمه الإعادة إذا وجد الماء بعد الفراغ، فإذا وجده في أثناء الصَّلاة فليشتغل بالإعادة، وإن كانت مغنية عن القضاء، فظاهر المذهب المنصوص أنه لا يبطل تيمُّمه، ولا صلاته وأشار المزني إلى تخريج قول أنهما يبطلان، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد في رواية، وساعد بن سريج المزني على التخريج.


(١) أخرجه النسائي (١/ ١٧١) وأبو داود (٣٣٢) والترمذي (١٢٤) وابن حبان (١٣٠١ - ١٣٠٢) والحاكم في المستدرك (١/ ١٧٦ - ١٧٧) وصححه ابن حبان، والحاكم، وخالف ابن القطان فضعفه، انظر الخلاصة (١/ ٧٠).
(٢) سقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>