للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: الحُكْمُ الثَّانِي: للِوَكَالَةِ العهدة فِي حَقِّ الوَكِيلِ، وَيَدُهُ يَدُ أَمَانة فِي حَقِّ المُوَكِّلِ حَتَّى لاَ يَضْمَنَ سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلاً بِجُعْلِ أَوْ بِغَيْرِ جُعْلِ، ثُمَّ إِنْ سَلَّمَ إِلَيهِ الثَّمَنَ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ مَهْمَا وُكِّلَ بِالشِّراءِ، وإِنْ لَمْ يسَلِّمِ الثَّمَنَ وأَنْكَرَ البَائِعُ كَوْنَهُ وَكِيلاً طَالَبَهُ، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فَفِيِهِ ثَلاَثةُ أَوْجُهٍ، وَالظَّاهِرُ: أنَّهُ يُطَالِبُهُ به دُونَ المُوَكِّلِ، وَفِي الثَّانِي: يُطَالَبُ المُوَكِّلُ دُونَهُ، وفِي الثَّالِثِ: يُطَالِبُهُمَا، ثُمَّ إِنْ طُولِبَ الوَكِيلُ، فالصحيح رجوعه على الموكل وَكَذَلِكَ لَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ في يَدِهِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مَا اشْتَرَاهُ مُسْتَحِقَّاً، فَالمُسْتَحِقُّ يُطَالِبُ البَائِعَ، وَفِي مُطَالَبَتِهِ الوَكِيلَ وَالمُوَكِّلَ هَذِهِ الأَوْجُهُ، وكَذَا الوَكيلُ بِالبَيْعِ إِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ وَتَلَفَ في يَدِهِ فَخَرَجَ المبيع مستحقاً فرجع المُشْتَرِي بالثَّمَنِ عَلَى الوَكِيلِ أَوْ عَلَى المُوَكِّلِ فَفيهِ هَذَا الخِلاَفُ.

قال الرافعي: ترجم الحكم بالعهدة، ولكنه قدم على السلام من العهدة أصلاً آخر، جعله من "الوسيط" حكماً برأسه، واشتمل الحكم على مقصودين:

أحدهما: أن يد الوكيل يد أمانة، فلو تلف المال من يده من غير تعدّ منه، فلا ضمان عليه، سواء كان وكيلاً بجُعل، أو بغير جعل، وإن تعدى فيه، كأن ركب الدابة أو ليس الثوب ضمن، وهل ينعزل عن الوكالة؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنها أمانة، فترتفع بالتعدي كالوديعة.

وأصحهما: لا، وبه قطع بعضهم؛ لأن الوكالة أمانة، وإذن في التصرف والأمانة حكم يترتب عليه، فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد، وهذا كما أن الرَّهْن لها كان المقصود منه التوثيق، ومن حكمه الأمانة لا يلزم من ارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرَّهْن، وتخالف الوديعة، فإنها ائتمان محض، فلا تبقى مع التعدي، فعلى هذا يصح تصرفه وإذا باع وسلم زال عنه الضمان؛ لأنه أخرجه من يده بإذن المالك، وهل يزول الضمان بمجرد البيع فيه وجهان:

أحدهما نعم لزوال ملك الموكل بالبيع.

وأصحهما: لا؛ لأنه ربما يرتفع العقد بتلفه قبل قبض المشتري، فيكون التلف على ملك الموكل، والثمن الذي يقبضه لا يكون مضموناً عليه؛ لأنه لم يتعدَّ فيه، ولو رد المشتري البيع عليه بعيب عاد الضمان، ولو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها طعاماً مثلاً، فتصرف فيها على أن تكون قرضاً عليه صار ضامناً، وليس له أن يشتري للموكل بدراهم نفسه ولا في الذمة، ولو فعل كان ما اشتراه له دون الموكل.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- يكون للموكل، ولو عادت الدراهم التي أنفقها

<<  <  ج: ص:  >  >>