للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: وَلَو اسْتَأْجَرَ السِّلاَحَ بالجِلْدِ وَالطِّحَانَ بالنَّخَالَةِ أَوْ بِصَاع مِنَ الدَّقِيقِ فَسَدَ لِنَهْيِه عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلاَمُ عَنْ قَفِيزِ الَطِّحَانِ وَلأنَّهُ بَاعَ مَا هُوَ مُتَّصِلَ بمِلْكَهِ فَهُوَ كَبَيْعِ نِصْفٍ مِنْ سَهْمٍ، وَلَوْ شَرَطَ لِلمُرْضِعَةِ جُزءاً مِنَ المُرْتَضِع الرَّقِيِقَ بَعْدَ الفِطَام، وَلَقَاطِفِ الثِّمَارِ جزءاً مِنَ الثِّمَار المَقْطُوفَةِ فَهوَ أَيْضَاً فَاسِدٌ، وَإِنْ شَرَطَ جزءاً مِنَ الرَّقِيقِ في الحَالِ أَوْ مِنَ الثِّمَارِ في الحَالِ فَالقَيَاسُ صَّحِتُهُ (و)، وَظَاهرُ كَلاَم الأَصْحَابِ دَالٌّ عَلَى فَسَادِهِ حَتَّى مَنَعُوا اسْتِئْجَارِ المُرْضِعَة عَلَى رَضِيعٍ لَهَا فِيهِ شِرْكٌ لأِنَّ عَمَلَهَا لاَ يَقَعُ عَلَى خَاصِّ مِلْكِ المُسْتَأْجِرِ.

قال الرافعي: لا يجوز أن تجعل الأجرة ما يحصل بعمل الأجير، كما إذا استأجر السَّلاَّح لِسَلْخ الشاة بجلدها، أو الطحان ليطحن الحِنْطة (١) بثلث دقيقها، أو بصاع منه أو بالنخالة أو المرضعة بجزءٍ من الرقيق المرتضع بعد الفِطَام، أو قَاطِف الثمار بجزء من الثمار بعد القِطَاف، أو النَّسَّاج لينسج الثوب بنصفه، والمستحق للأجير في هذه الصور أجرة مثل عمله، وهو موجه أولاً بالخبر، حيث روى أنه -صلى الله عليه وسلم- (نَهىَ عَنْ قِفَيزِ الطَّحَّانِ) (٢). وتفسيره: استئجار الطَّحان ليطحن الحنطة بِقَفِيْزٍ من دقيقها.

ثم وجه ثانياً بثلاثة أوجه:

أحدها: أن المجهول أجره متصل بغيره، فهو كبيع نصف من سهم أو نصل، وهذا قد ذكره في الكتاب، وسمى جعله أجرة بيعاً حيث قال: "باع ما هو متصل بملكه"؛ لأنه في معناه، ولك أن تقول: هذا إن اشتهر في الجلد لا يستمر في الجزء المشاع، والحكم لا يختلف، فإن كنا نقنع بما لا يطرد في هذا القبيل، ففي المسائل بالفساد مأخذ أظهر من هذا، كمسألة السلاح، فإن الجلد قبل السلخ مجهول، ولا يجوز جعله أجرة مطلقاً كما سبق، وكمسألة النخالة، فإنها مجهولة المقدار، وإذا شرط صاعاً من الدقيق، فإن كانت الجملة مجهولة، فهو كبيع صاع من صُيْرَةٍ مجهولة الصِّيْعَان، وقد


(١) وصورة الطحن أن يقول: لتطحن الكل ويطلق، فإن قال لتطحن ما وراء الصاع المجعول أجره صح كما قال الماوردي.
(٢) أخرجه الدارقطني. والبيهقي من حديث أبي سعيد: نهى عن عسب الفحل، وقفيز الطحان، وقد أورده عبد الحق في الإحكام بلفظ: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعقبه ابن القطان بأنه لم يجده إلا بلفظ البناء لما لم يسم فاعله، وفي الإسناد هشام أبوكليب روايه عن ابن أبي نعيم عن أبي سعيد لا يعرف، قاله ابن القطان، والذهبي، وزاد: وحديثه منكر، وقال مغلطاي: هو ثقة، فينظر فيمن وثقه، ثم وجدته في ثقات ابن حبان، (فائدة) ووقع في سنن البيقهي مصرحاً برفعه لكنه لم يسنده، وقفيز الطحان فسره ابن المبارك أحد رواة الحديث بأن صورته أن يقال للطحان: أطحن بكذا وكذا بزيادة قفيز من نفس الطحن، وقيل: هو طحن الصبرة لا يعلم مكيلها بقفيز منها. (ينظر تلخيص الحبير ٣/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>