للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي إجارته من المؤجّر وجهان، كما في البيع من البائع (١).

والمسْتَعَارُ لا يؤاجر، فإنِ استعاره؛ ليؤجِّره، جاز في وجه، حكاه القاضي ابن كج، كما لو اسْتَعَاره؛ ليرهنه.

ولو أجَّر متولِّي المسجد حانوته الخراب؛ بشرط أن يعمره المُسْتَأْجر بماله، ويكون ما أنفقه مَحْسُوباً من أجْرته، لم تصح الإجارة؛ لأنه عند الإجارة غيْرُ منتفع به.

ولا يجوزُ إِجارةُ الحمَّام بشَرْط أن تكون مدة تعطيلها بسبب العِمَارة، ونحوها محسوبة على المكتري؛ لأنَّهُ تمكينٌ من الانتفاع في بعض المدَّة دون بعض، ولا يُشْتَرط أن تكون محسوبة على المكْرِي لا بمَعْنَى انحصار الإجارة في الباقي؛ لأن المدة تصير مجهولة، ولا بمعنى استيفاء مثلها بعد المدة؛ لأن نهاية المدة تصير مجهولة.

ولو استأجره ليبيع له شيئاً معيناً جاز؛ لأن الظاهر أنه يظفر براغب، ولو استأجره لشيء معين لا يجوزُ (٢)؛ لأنَّه رغبة مالكه في البَيْع غيرُ معلومة ولا ظاهرة ولشراء شيء موصوفٍ يجوز، ولبيع شيءٍ من معيَّن لا يجوز.

ولو استأجره للخروج إلى بلدِ السُّلطان والتظلُّم للمستأجر، وعرْضِ حالِهِ فِي المَظَالِم ففي فتاوى القَفَّال أنَّه يستأجره مدَّة كذا؛ ليخرج إلَى موضع كذا، ويذْكُر حالَهُ في المظالم، ويسْعَى في أمره عند من يحتاج إلَيْه، فتصحُّ الإجارة؛ لأنَّ المدة معلومةٌ، وإن كان في العَمْل جهالةٌ، كما لو استأجره يوماً؛ ليخاصم غرماءه جاز.

قال: ولو بَدا للمستأجر، فله أن يستعمله فيما ضَرَرهُ مثل ذلك.

وحَكَى القاضي ابنُ كجٍّ عن نصِّ الشافعيِّ رضي الله عنه أنَّهُ لا تجوز إجارة الأرْضُ حتَّى يُرى لا حائل دُونَها من زَرْعِ، وغَيْرِه، وفي هذا تصْرِيحٌ بأنَّ إجارة الأرْضِ المزْرُوعة لا تصحُّ توجيهاً بأن الزَّرْع يمنع رؤْيَتَها.

وفيها معْنًى آخرُ، وهو تأخُّر التسليم والانتفاع عن العَقْد، ومشابهته إجارة الزَّمان المستقبل، ويقرب منْه ما لو أجَّر داراً مشْحُونة بطعام وغيْرِه، وكأنَّ التفريع يستدعي مدَّة، ورأَيْتُ للأئمة فيما جُمِعَ من فتاوى القَفَّال فيه جوابَيْن:

أَحَدُهُما: أنَّه إنْ أمكن التفْرِيعُ في مدَّةٍ ليس لمثلها أجرةٌ، صحَّ العقد، وإن لم يكنْ إلاَّ في مدة لمِثلهَا أجرةٌ، لم تصحَّ؛ لأنه إجارةُ مدَّةٍ مستقبلة.


(١) قال النووي: الأصح صحة إجارته للمؤجر.
(٢) محل جواز الاستئجار للبيع أنها تكون من معين، فلو استأجره ليبيع عنده من فلان، لم يصح بخلاف ما لو وكله ليبيعه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>