للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو حنيفةَ ومالكٌ وأحمدُ رضي الله عنهم: الذِّمي والمُسْلِمُ في الإحياء سواءٌ كما في الاحتطاب والاحتشاشِ والاصطيادِ في دار الإِسلام. والفَرْقُ عندنا: أنَّ الحطبَ والحَشِيشَ والصَّيدَ يختلف، ولا يتضرِّر المسلمون بأنْ يتملّكَهَا الذميُّ بخلاف الأراضي، وكذلك للذمِّيِّ نَقْلُ تراب مواتِ دارِ الاسلامِ، إذا لم يتضرَّرْ به المسلِمُون، والمستأمن كالذميِّ في الإحياء وفي اَلاحتطاب ونَحْوِه، والحَرْبِيُّ ممنوعٌ من جميع ذلك.

والحالة الثانية: إذا كانتْ معمورةً في الحال، فهي لمُلاَّكِها (١)، ولا مَدْخلَ فيها للإحياء؛ لأنَّ الإحياءَ لإحْداثِ المِلْكِ، وهي مملوكةٌ.

والحالة الثالثة: إذا لم تكُنْ معمورةً في الحَالِ، ولكنَّها كانَتْ معمورةً منْ قبلُ، فيُنْظَرُ؛ إن عُرِفَ مالِكها، فَهِي له ولورثَتِهِ، ولا تملَّك بالإحياءِ ولا بالعمارةِ، وإن لم يَعْرِفُ نظر؛ إن كانت العمارةُ إسلاميةً، فهي إمَّا لمسلم أو لذميِّ، وحكْمُهَا حُكْمُ الأموال الضائعةِ. قال في "النهاية": والأمر فيه إلَى رأْي الإمام، إن رأَى حفْظه إلَى أن يَظْهَرَ مَالِكُه، فإن رأَى بيعهِ وحفظ ثمنه، وله أنْ يَسْتقرضه على بيتِ المالِ. هذا ظاهر المَذْهبِ، وفيه خلافٌ سيأتي (٢).


(١) إن عرف مسلماً كان أو ذمياً أو نحوه أو لوارثه ولا يملك ما خرب منه بالإحياء، نعم استثنى الماوردي ما أعرض عنه كافر قبل القدرة عليه، فإنه يملك بالإحياء.
(٢) قال في الخادم: ما نقله عن الإمام من جواز البيع استشكله بعض المتأخرين وقال: ينبغي امتناع بيع الأرض؛ لأنه لا مصلحة فيه؛ وهي محفوظة بنفسها إلى أن يظهر مالكها أكثر من حفظ ثمنها، قال: والظاهر أن الإمام إنما أراد الآلات.
ورد صاحب الخادم ذلك فقال: كلام الإمام في الأرض لا في العمارة التي كانت عليها فإنه قال قسم الشَّافعي الأراضي، وعبَّر عنها بالبلاد إلى أن قال: وأما العمارة فقسمان: قسم لم يجر عليه ملك إلى أن قال: وقسم جرى عليه ملك، ثم درست العمارة فهو ملك لمالكه، والأملاك لا تحيى بزوال العمارة، قال صاحب الخادم: ويؤيد ما حكاه الرافعي هنا عن الإمام من البيع ما ذكره في الروضة آخر الجعالة عن ابن كج فيما إذا وجد عبيداً أبقوا فمذهبنا أن الحاكم يحبسهم انتظاراً لصاحبهم، فإن لم يجيء لهم صاحب، باعهم الحاكم وحفظ ثمنهم، قيل: وما جزم به النووي تبعاً للرافعي من جواز الاستقراض على بيت المال، لعله في الأعيان التي عمر لها في الأرض إذا رأى قلعها، أما الأرض فلا تقرض.
قال الزركشي: والظاهر أن مراد الرافعي والإمام استقراض ثمن الأرض إذا باعها لا استقراض نفس الأرض، وهذا الذي قاله الزركشي يتمشى على منع قرض جزء من العقار، وقد صرح صاحب التتمة بجوازه، وذكره الرافعي في باب الشفعة، وعلى هذا فالكلام على ظاهره ولا حاجة إلى تأويل ما ذكره قيل أيضاً: ما جزم به الشيخ تبعاً لأصله من حفظه إلى ظهور مالكه محله إذا توقع ظهور مالكه، فإن لم نتوقع معرفته فيصير حيئنذٍ مصروفاً إلى ما يصرف فيه أموال بيت المال، وهذا جائز في كل مال ضائع قاله الشيخ ابن عبد السلام في قواعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>