للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يسري الوقف من نصْفٍ إلى نصفٍ، وإنما السراية منْ خاصَّة العِتْق.

ولو وقَف نصْف العبد، ثم أعْتَق النِّصْفَ الآخَر، لم يُعْتَقَ، بخلافِ ما إذا رَهَن نِصْفَ عبْدٍ، ثم أعتق النِّصْفَ الآخَرَ، فإنَّا نقول بالسراية إلى المَرْهُون، والفَرْق أن المرهونَ قابلٌ للإعتاق، والموقُوف بخلافه.

المسألةُ الثانيةُ: يجوزُ وَقْفُ ما يطلب لعين تُسْتفادُ منْه؛ كالأشْجَار للثمار، والحيواناتِ للأصْوَافِ والأوْبَارِ والأَلْبَان، والبيض، وما يُطْلب لمنفعةٍ يُسْتَوْفَى منْه؛ كالدُّور والأرَاضِي. ولا يُشْترط أن يكون بحَيْثُ تحْصُل منه المنفعة، والفائدةُ في الحال، بَلْ يجُوزُ وَقْفُ العَبد، والجَحْشِ الصغيرين والزمِنِ، الذي يَرجَى زوالُ زمَانَتِهِ، كما يجوز نكاحُ الرَّضيعة.

المسألة الثالثة: لا يَجُوزُ أن يقف الحُرُّ نَفْسَه؛ لأن رقبته غير ممْلوكةً، وإن قدَّرنا أنَّ منافعه ملْحقةٌ بالأمْوال، والوَقْف يَسْتَدعِي أصلاً يحبس [عليه] لِيستوفي منفعته على مرِّ الزَّمَان، وكذلك مالِكُ منافع الأموال دون رِقَابِها لا يجُوزُ له الوَقْفُ، سواءٌ ملك مُؤَقَتَاً كالمستأجر، أو مؤبَّداً كالموصَى له بالخدمة والمنفعة.

وأيضاً، فإنَّ الوَقْفَ يُشْبِه التحريز، وملك المنفعة لا يُفيدُ ولايةَ التحرير، ويجوز أنَّ يعلَّل اشتراطُ كون الموقوف عَيْناً بأنَّ الموقوف يجبُ أنَّ يكونَ لَهُ دوامٌ عَلَى ما سيأتي، والمنافعُ تحْدُث وتفنى، فهي كالشيْء الذي يتَسَارَع إِلَيْه الفسادُ والفناء.

المسألة الرابعة: في وقْف المستولَدَةِ وجهان:

أحدُهُما: يجوزُ كما يجوز إِجَارَتُها.

أصحُّهما: المنْع؛ لأنَّ حلّها حرمة العِتْق، فكأنَّها عتيقة.

وبنَى بعضهم الخلافَ عَلَى أن الوَقْفَ، هلْ ينقل المِلْكَ عن الواقف؟ إن قلْنا: نَعَمْ، لا يصحّ وَقْفِها؛ لأنَّها لا تَقْبَل النقل، فإنْ قلنا: لا تُنْقَل، صَحَّ، وهذا ما أشار إليه صاحبُ الكتابِ بأن صحَّحناه.

فإذا مات السيد، وعَتَقَت، قال في "التَّتِمَّة": لا يبْطُل الوقْف، بل تبْقَى منافعها للموقُوفُ علَيْه، كما لو أجَّرها، ومات.

وفي "النهاية" أنَّه يبْطُل بخلاف الإجارة؛ لأنَّ الحريَّة تنافِي الوقْف دُون الإجارة، هذا قضيَّة كلامِ القَاضِي ابْنِ كَجٍّ.

ويجْرِي الوجهانِ في جَوَاز وقْف المُكَاتب، ويجُوز وَقْفُ المُعَلَّق عتْقُه بصفةٍ ثم إذا وُجِدَت الصِفَةُ، فإن قلْنا: إنَّ المِلْكَ في الوقْف للواقف، أو للهِ -تعالَى- عَتَقَ، وبطلَ الوَقْفُ. وإن قلْنا: إِنَّه للموقوف عليه، فلا يُعْتَقُ، ويكونُ الوَقْفُ بحاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>