للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وورد في صفته: "أَنَّهُ أَسْوَدُ مُحتَدِمٌ بَحْرَانِيُّ ذُو دَفَعَاتٍ، وَفِي دَمِ الاسْتِحَاضَةِ أَنَّهُ أَحْمَرُ رَقِيقٌ مُشْرِقٌ" (١).

والأسود هو الذي تعلوه حمرة متراكمة، فيضرب من ذلك إلى السَّواد، والمُحْتَدِمُ هو الجَاري الذي يَلْذَع البَشْرَةَ ويحرقها بحدَّتِهِ ويختَصُّ برائحة كريهة.

ودم الاستِحَاضَةِ رقيق لا احتِدَامَ فيه يضرب إلى الشُّقرة أو الصفرة، ولذلك يسمى مشرقاً. وقيل: المحتدم هو الضَّارب إلى السواد، والبحراني هو الشديد الحمرة.

قال صاحب "الغريبين": "يقال أحمر بَاحِرٌ وبَحْرَانِي، أي: شديد الحُمْرة، ثم إنما يحكم بالتمييز بثلاثة شروط، شرطان منها في القوى وهما: ألا يزيد على خمسة عشر يوماً، ولا ينقص عن يوم وليلة، وإلا كان زائداً على أكثر الحيض أو ناقصاً عن أقله فلا يمكن تحيضها فيه.

والثالث: في الضعيف: وهو ألا ينقص عن خمسة عشر يوماً، وذلك لأنا نريد أن نجعل الضَّعيف طهراً، والقويّ بعده حَيْضَة أخرى، وإنما يمكن جعله طهرًا إذا بلغ أقل الطّهر، فلو رأت ستة عشر دماً أسود ثم أحمر -فقد فقد الشرط الأول ولو رأت يوماً أو نصف يوم أسود ثم أحمر- فقد الشرط الثَّاني، ولو رأت يوماً وليلة دماً أسود وأربعة عشر أحمر، ثم عاد الأسود -فقد فقد الشرط الثالث- وهو أْلا ينقص الضَّعيف عن خمسة عشر. وقول الأصحاب ينبغي ألا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوماً أرادوا خمسة عشر على الاتِّصال، وإلا فلو رأت يوماً أسود ويومين أحمر وهكذا أبداً فجملة الضَّعيف في الشهر لم ينقص عن خمسة عشر يوماً لكن لما لم يكن على الاتِّصَال، لم يكن ذلك تمييزاً معتبراً. ثم بماذا نعتبر القوة والضعف؟ فيه وجهان:

أحدهما: وهو الذي ذكره في الكتاب أن الاعتبار في القوة والضعف بمجرد اللون فالأسود قوي بالإضافة إلى الأحمر، والأحمر قوي بالإضافة إلى الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر والأكدر إذا جعلناهما حيضاً.

وادعى إمام الحرمين -قدس الله روحه- كون هذا الوجه متفقًا عليه، وقال: لو رأت خمسة سواداً مع الرائحة المنعوتة في الخبر حيث قال: "لَهُ رَائِحَةٌ تُعْرَفُ" (٢) وخمسة سوادًا بلا رائحة فهما دم واحد وفاقاً.


(١) قال الحافظ: تبع في ذلك الغزالي وهو تبع للإمام، وفي تاريخ العقيلي عن عائشة نحوه، قالت: دم الحيض أحمر بحراني، ودم الاستحاضة كغسالة اللحم وضعفه، والصفة الذكورة وقعت في كلام الشافعي في "الأم" انظر التلخيص (١/ ١٦٩).
(٢) انظر الخلاصة (١/ ٨١) وسيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>