للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم هذا الخلافُ فيما إذا وقَف دَاراً على أن يصلِّيَ فيها أصحابُ الحَدِيثِ، فإذا انْقَرَضَوا، فعلَى عامَّة المُسْلِمِين.

أمَّا إذا لم يتعرَّض لانقراض، فقد تردَّدوا فيه (١). ولو شرط في المدْرَسَة والرِّباط الاختِصَاصَ، اتَّبعَ شَرْطُه، ولو شَرَط في المقبرة الاختصاصَ بالغُرَبَاء، أو بجماعة معيَّنِين مخصوصِينَ، فالوجْه أنْ تُرتَّبَ على تخصيصِ المسْجِد، إن قلْنا: يختصُّ فالمقبرة أولَى، وإلاَّ فوجهان؛ لترددها بين المدرسةِ والمسْجِدِ.

والثاني: أظْهَرَ؛ فإنَّ المقابر للأموات كالمساكِينِ للأحياء، وفيما ذكرنا ما يعرِّفك أنَّ قولَه: "ولو خصص مسْجداً" ليس المرادُ منه التخصيصَ بعْد صيرورة البُقْعَة مسْجِداً، فذاك مما لا عِبْرة به بحالٍ، وإنَّما المراد منه شرط الاختصاص عنْد جعْل البقعةِ مسْجداً، وكذا القولُ في تخصيص المدرسة والمقبرة، واعْلَمْ أنَّ المسألتَيْن الأخيرتين لا تعلُّق لهما بترجمة هذا الشَّرْط، وهو الإلزامُ، ولا اختصاصَ لهما بهذا الموضَع.

قَالَ الغَزَالِيُّ: الرَّابِعَةُ: بَيَانُ المَصْرِفِ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَقَفْتُ لَمْ يَصِحَّ (م) عَلَى الأَظْهَرِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى أَهَمَّ الخَيْرَاتِ كَمَا ذَكَرنَا في مَصْرَفِ مُنْقَطِعِ الآخِرِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ وَبَعْدَهُمَا عَلَى المَسَاكِينِ فَمَاتَ أَحَدَهُمَا فَنَصِيبُهُ لِصَاحِبِهِ أوِ لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلَو رَدَّ البَطْنَ الثَّانِيَ وَقُلْنَا: يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ فَقَدْ صَارَ مُنْقَطِعَ الوَسَطِ فَفِي مَصْرَفِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْجِهَةِ العَامَّةِ المَذْكُورَةِ بَعْدَ انقِرَاضِهِمْ فِي شَرْطِ الوَقْفِ، وَقِيلَ: يُصْرَفُ إِلَى البَطْنِ الثَّالِثِ وَيُجْعَلُ الَّذينَ رَدُّوا كَالمَعْدُومِينَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: في الفصل ثلاثُ صورٍ لاختصاص الأخيرتَيْنِ به عَلَى نَحْوِ ما ذكَرْنا في الفصل السَّابق:

الصورةُ الأُولَى: لو قال: وقَفْتُ كذا، واقتصَرَ علَيْه، فقولان:

أصحُّهما: عند الأكثرين: البُطْلاَن، كما لو قال: بعْتُ دارِي بعَشَرة أو رهنتها (٢)، ولم يقُلْ لمن؛ ولأنَّه، لو قال: وقَفْتُ عَلَى جماعةٍ، لم يصحُّ؛ لجهالةِ المَصْرَف، فإذا لم يذكُرِ المصْرَف أصلاً، فأَوْلَى ألاَّ يصحَّ.

والثاني: يصحُّ، وإليه مَيْلُ الشيخ أبي حامد، واختارَهُ صَاحِبُ "المهذب" والقاضي الرُّويانيُّ؛ لأنَّهُ قصدَ القربة، فإن لم يبين المَصْرَف، فأشبه ما إذا قال: لِلَّهِ عليَّ أنْ


(١) قال النووي: يعني اختلفوا في صحة الوتف لاحتمال انقراض هذه الطائفة، والأصح أو الصحيح الصحة.
(٢) في ب: أو وهبتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>