للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُلْتَقِطَ مستقلٌّ بالالْتِقَاطِ، وآحادُ النَّاسِ لا يستقلُّون بالأمانات إلاَّ بائْتمانِ المَالِكَ، ولكنْ يستقلُّون بالاكتساب. إذا عَرفْتَ ذلك، فإن اجتمعَ في الشَّخْصِ أربَعُ صفاتٍ: الإسْلامُ، والحُرِّيَّةُ، والعَدَالَةُ، والتَّكْلِيفُ، فله أنْ يَلْتَقِطَ، وُيعَرِّفَ وَيتَمَلَّكَ؛ لأنَّ أهْلٌ للأمانة والولاية والاكتساب جميعاً، وإلاَّ، ففيه مسائلُ:

إحْدَاهَا: في تَمْكِين الذَّمي من الالتقاطِ في دَارِ الإسْلاَمِ وجهان:

أحدُهُما: لاَ يُمَكَّنُ؛ لما فيه منْ مَعْنَى الأمانةِ والولاية، ولأنَّهُ ممنوعٌ من التسلُّط في دار الإسْلاَمِ؛ ألاَ تراه أنَّه لا يُحْيي

وأصحُّهما: التَّمْكِينُ؛ ترجيحاً لمعْنَى الاكتسابِ، كما أنَّه يَصْطَادُ ويَحْتَطِبُ، وقَطَعَ بعضُهُمْ بالوَجّه الثَّاني، ورُبَّما شَرَطَ في التجوِيز كونَهُ عَدْلاً في دينه، وقولُه في الكتاب: "والأصحُّ أنَّ الكافِرَ أهلٌ للالتقاط" يمكن حملُه على الأصحِّ منْ الوجهَيْنِ، فيكونُ المذكورُ طريقةَ الخِلاَفِ، وعلَى الأصَحِّ منْ الطريقَيْن، فيكونُ المذكورْ الطريقةَ القاطعةَ.

فإنْ قلْنا: ليس له الالْتِقَاطُ، فالتَقَطَ، أخَذَهُ الإِمَامُ، وحَفِظَهُ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ.

وإنْ قُلْنَا: بِجَوَازِهِ، قالي في "التَّهْذِيب": "هُو كما لَوِ الْتَقَطَ الفاسِقُ" (١) وذَكَر أنَّ المرتدَّ، إنْ قُلنَا: إنَّ مِلْكَهُ زائلٌ، يُنْتَزَعُ منْ يَدِه، كما لَوِ احْتَطَبَ، يُنْتَزَعُ منْ يَدِه.

إنْ قُلْنَا: مِلْكُهُ غَيْرُ زائِلٍ، فكالفَاسِقِ يَلْتَقِطُ.

ولَكَ أنْ تَقُولَ: إذا قُلْنَا: إنَّ مِلْكَهُ زائلٌ، فإنَّ ما يَحْتَطِبُهُ يُنْتَزَعُ مِنْ يَدِهِ، وَيَحْكُمُ بكوْنِهِ لأهْلِ الفَيْءِ، فإن كانت اللُّقَطَة كذلك فقياسُه أنْ يجوز للإمام ابتداءُ الألتِقَاطِ لأَهْلِ الفَيْءِ ولبيتِ المالِ، وأنْ يَجُوزَ للْوَلِيّ الالْتِقَاطُ للصَّبِيِّ.

وإذا قلْنا: إنَّ ملْكَهُ غَيْرُ زَائِلٍ، فهو بالذميِّ أشْبَهُ منه بالفاسِقِ، فليكن الْتِقَاطُهُ كالْتقاطِ الذِّمِّيِّ، وكذلك أورده الشَّيْخُ المتولِّي.


(١) وكذا قال ابن أبي هريرة في تعليقه: يجوز التفاط الذمي. ثم في إقرارها في يده قولان كما قلنا في الفاسق لا يختلفان. قد حكاه في الذخائر عن الشيخ أبي حامد الاسفراييني ويقتضي إلحاقه بالفاسق انتزاعه منه ووضعه عند عدل وأنه لا يعتمد تعريفه لكن ذكر ابن الرفعة أنه يقر في يده ويتفرد بالتعريف. قيل: قولان كالفاسق.
وعلى هذا اقتصر الشيخ أبو حامد الاسفراييني كما قاله في الذخائر ولا يبعد الفرق بين العدل في دينه وغيره. قال في الوافي: ولو قيل إن قلنا ينزع من يده ولم يفعل ثم عرف أنه يكون له التمليك لكان متجهاً لأنه صالح للتمليك بالكسب، وقد وجد شروطه، غاية ما فيه أنه ارتكب محرماً بالتقرير ومثله لا يؤثم كوطء الراهن الجارية المرهونة دون إذن المرتهن فإنها تصير مستولدة، وإن كان الوطء وقع حراماً إذا كان موسراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>