للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَدَّع أَحَدٌ رِقَّهُ فَالأَصْلُ الحُرِّيَّةُ، وَيُحْكَمُ بِهَا في كُلِّ مَا يُلْزِمُ غَيْرَهُ شَيْئاً فَنُمَلِّكُهُ المَالَ وَنُغَرِّمُ مَنْ أتْلَفَ عَلَيْهِ، وَمِيراثُهُ لبَيْتِ المَالِ، وَكَذَلِكَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ في بَيْتِ المَالِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ قُتِلَ بِهِ (و)، وَإِنْ قَتَلَهُ حُرٌّ فَقَدْ قِيلَ: يَجِبُ القِصَاصُ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَاحْتِمَالِ الرِّقِّ ويَبْقَي الدِّيَةُ، وَقِيلَ: يَجِبُ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنَ الدِّيَةِ أَو القِيمَةِ فَإنَّهُ المُسْتَيْقَنُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مِنْ أحْكَامِ اللَّقِيطِ الرِّقُّ والحُرِّيَّةُ، واللَّقِيطُ لا يخْلُو، إمَّا أن يُقِرَّ علَى نفسه بالرِّقِّ في وقْتِ اعتبار الإقْرار أو لا يُقِرَّ.

وعلى التقدير الثاني؛ فإمَّا أنْ يدَّعِيَ رِقَّةَ مدَّعٍ أو لا يدَّعِيَهُ أحدٌ.

وعلى التقديرِ الأوَّلِ؛ فإمَّا أن يُقِيمَ علَيْهِ بينةً أو لا يُقِيمَ، فَيَخْرُجُ من هذا التقسيمِ أربعة أحوالٍ، كما ذَكَرَ في الكتابِ:

الأُولَى: إلاَّ يُقِرَّ ولا يُدعى رِقُّهُ، فظاهر حَالِهِ الحُرِّيَّةُ؛ لأنَّ الآدَمِيِّينَ خُلِقُوا ليُسَخِّروا لا لِيُسَخَّرُوا، وأَيْضاً، فأغلبُ الناسِ أحْرَارٌ (١).

وأيضاً، فإنَّ الأحرار أهلُ الدَّارِ، والأَرِقَّاءَ. مَجْلُوبُونَ إلَيْهَا لَيْسُوا من أهْلِهَا، فكَما نحْكُم بالإسْلاَم بظاهِرِ الدَّار، نحْكُم بالحريةِ، وقد ذَكَرْنَا أنَّ مِنَ الأصْحاب مَنْ لا يَجْزِمُ بالإسْلاَم، ويذْهَبُ إلى التوقُّف، وذلك التردُّدُ فيما حكَاهُ الإمامُ يجري فيَ الحرِّيَّةِ، وهي أَوْلَى بالتردُّدِ في الإِسلامِ، لقوَّة الإسْلام، واقتضائه لِلاستتباعِ، ولذلك يتبع الوَلَدُ أيَّ الأبوَيْنِ، كان في الإِسلام دون الحُرِّيَّةِ، ويتبع المسْبِىُّ السَّابِيَ في الإِسلام دُونَ الحريَّةِ، ثم ذَكَرَ تفْصيلاً متوسِّطاَ ينحل من مقالات الأصحاب في المَسَائِل المَبْنِيَّةِ علَى هذا الأصْلِ، وهو أن نجزم بالحريَّةِ، ما لم يَنْتَهِ الأمرُ إلَى إلزامِ الغير شيئاً، فإذا انْتَهَى إليه، تردَّدْنَا، إن لم يعترف الملتزمُ بحريَّتِهِ، وهذا ما أشار إلَيْه صاحبُ الكتاب بقولِه "فيُحْكَمُ بها في كُلِّ ما يُلْزِمُ غَيْرَهُ شَيْئاً" فيخرجُ من ذلك أنَّا نحْكُمُ لَهُ بالمِلْكِ فَيما يصادِفُه معَهُ جزماً، وإذَا أَتْلَفَهُ عليه مُتْلِفٌ، أخَذْنَا الضَّمانَ وَصَرَفْناهُ إلَيْه؛ لأنَّ المَالَ المعْصُومَ مِضمونٌ، على المتلف، فلَيْس أخذُ الضَّمانِ بِسَبَب الحرِّيَّة، حتى يأتي فيه التردُّد، إذا أَخَذْنَاهُ فلا عوض للمتْلِفِ في أنْ يصرِفَهُ إلى اللقيط أَو لا يصرفه.


(١) قال في التتمة: مجهول النسب إذا تزوج معتقة فأتت بولد فظاهر المذهب أنه لا ولاء على الولد؛ لأن ظاهر الدار دلَّ على الحرية، وحكى بعض الأصحاب طريقة أخرى أنه عليه الولاء لموالي الأم لجواز أن الأب رقيق وعليه يدل نص الشَّافعي في الملاعنة.
والثاني: في باب معاملات العبيد فإنه حكي عن المتولي أيضاً أن في معاملة من جهل رقه وحريته قولين أظهرهما الجواز لكن الخلاف هناك أقوى لإمكان التعبير عن حاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>