للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التزم أحكامَ الأحْرارِ في العِبَاداتِ وغيرِها، فلم يَمْلِكْ إسْقَاطَها، وأيضاً فإنَّ الحُكْمَ بالحُرَّيَّةِ بظاهِرِ الدَّار. قَد تأكَّد بإعرابه عن نَفسه، [فلا يُقبَلُ ما يناقِضُه، كما لو بَلَغ وأَعْرَبَ عنْ نَفْسِه] (١) بالإسلام، ثم وصف بالكُفْرِ، لا يُقْبَلُ ويُجْعَلُ مُرْتَدَّا.

ونقل الإمَامُ وجْهًا آخَرَ أنَّه يُقْبَلُ، وذكر أنَّ الصَّيْدَلاَني، قَطَعَ به تشبهاً بما إذَا أَنْكَرَت المرأَةُ الرَّجْعَةَ، ثم أقرَّتْ، وأيْضاً، فإنَّه لو قال: هَذا مِلْكِي، ثم أَقَرَّ لغيره، يُقبَلُ والمَذْهَبُ الأَوَّلُ.

الثانية: إذا أَقَرَّ بالرِّقِّ لزَيْدٍ، فكذَّبَهُ، فأقر لِعَمْرو، فعن تخريج ابْنِ سُرْيجٍ أنَّه يُقْبَلُ

كما لو أقر بمالٍ لزَيْدِ، فَكَذَّبَهُ، فأقَرَّ به لعَمْرو، وأيْضاً، فاحتمال الصِّدْقِ في الثاني قائِمٌ، فَوَجَبَ قَبُولُهُ. والمذْهَبُ المنْصُوصُ المَنْعُ؛ لأنَّ إقْرارَهُ الأوَّلَ تَضَمَّنَ نَفْيَ المِلْكِ لغَيْرهِ، فإذا رَدَّ المُقَرُّ لَهُ خَرَجَ عَن كونهِ مملوكاً له أيْضاً، فصار حُرًّا بالأَصل، والحُرِّيَّةُ مَظَّنةُ حُقُوقِ اللهِ تعالَى وَالعِبَادِ، فَلا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهَا بالإقْرَار الثاني.

الثالثةُ: إذَا وجِدَتْ منْه تصرُّفاتٌ تَسْتَدْعِي نُفُوذَها بالحُرِّيَّةِ من بيع وَنِكَاحٍ وَغَيْرَهَا، ثم أقرَّ بالرِّقِّ. قال الإمامُ: إنَّ فرَّعْنَا عَلَى ما نَقَلَهُ صاحبُ "التقريب" في الصُّورَةِ الأُولَى، فإقْرارُهُ لاغٍ مُطَّرَحٌ.

نعم، لو نكح ثُمَّ أَقَرَّ بالرِّقِّ، فإقَرَارُهُ اعترافٌ بأنَّها محرَّمةٌ علَيْهِ، فلا يمكن القَوْلُ بحلِّها [و] إنْ قُلْنا بالقَبُولِ هُنَاكَ، ولا إقرارَ قَبْلَه ولا تَصَرُّفَ، فيجيء هَاهُنا الخلافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ، ونَحْن نُقْدِمُ علَيْهِ، أَنَّهُ، لو ثَبَتَ الرِّقُّ بالبَيِّنَةِ، والحالَةُ هذه، تنْقُضُ التصرُّفَاتِ المسْتَدعِيَّةَ للحُرِّيَّةِ، وتُجْعَلَ صادِرَةٌ منْ عَبْدٍ، لم يأْذَنْ له السَّيِّدُ، ويسترد ما دُفَع إليه من الزَّكَاةِ، والميراث، وما أنْفِقَ عليه مِنْ بَيْتِ المال، وتبُاعُ رقبته فيهما.

إذا عرفت ذلك جئنا إلى الإقْرَار.

قال الشافِعِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "ألزمته ما ألزمه بِهِ قَبْلَ إقْرارِه" وفي إلْزامِهِ الرِّقَّ قَوْلانِ، وللأَصْحَابِ فيما ذَكَرَهُ طَرِيقان:

أَحَدُهُما، ويُحْكَى عَنْ أَبِي الطَّيَّب بْنِ سلَمَة: في قَبُولِ أصْلِ الإقْرَار قَوْلان؛ لظاهِرِ قولِهِ "وفي إلزامِهِ الرِّقَّ قولانَ"، وجْه عَدَم القُبُول: أنَّه محكومٌ بحريته بظاهر الدَّار، فلا يَمْلِكُ إسْقاطَ أحكامها، كما لو أَقَرَّ بالحريِّة ثم بالرِّقِّ، ووجْهُ القُبُولِ أنَّ ذَلِكَ الحُكمَ كانَ بِناءً على الظَّاهِرِ، فَيَجُوزُ أنْ يُغيَّر بالإقرار، كَما أنَّ مَنْ حُكِمَ بإسْلاَمه بظاهِر الدَّارِ، فَبَلَغَ، وأَعْرَبَ بالكُفْر، يُجْعَلُ كافرًا أصليًّا على الأصحِّ.


(١) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>