للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: في الأولادِ منْها، فالَّذِينَ حَصَلُوا قَبْل الإقْرارِ أحرارٌ، ولا يَجبُ علَى الزَّوْجِ قِيمَتُهُمْ؛ لأنَّ قَوْلَهَا غيْرُ مقْبُولِ في إلْزَامِهِ، أما الحادِثُونَ بَعْدَهُ فهم أَرِقَّاءُ؛ لأنَّه وطئها عَلَى عِلْمٍ بأَنَّهَا أَمَةٌ (١).

قَالَ الإمَامُ: هذَا ظَاهرٌ، إذَا قَبِلْنَا الإقْرَارَ فِيمَا يَضُرُّ بالغَيْرِ فِي المُسْتَقْبَلِ، أمَّا إذا لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ مَاضِيَاً وَمُسْتَقْبَلاً، فيُحْتَمَلُ أنْ يقال بحرِّيَّتِهِمْ؛ صيانَةً لَحَقِّ الزَّوْجِ، فإنّ الأَوْلاَدَ مِنْ مقَاصِدِ النِّكَاحِ، كما أَنَّا أَدَمْنَا النَّكَاحَ، صيانةً لِحَقِّهِ في الوطء، وسَائِرِ المقاصِدِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقَالَ بِرِقِّهِمْ، وهُوَا ظاهرُ ما أطْلَقَهُ الأَصْحَابُ؛ لأنَّ العُلُوقَ أمْرٌ مَوْهُومٌ، فلا يُجْعَلُ مستَحقّاً بالنِّكَاح بخلافِ الوطْءِ، وَتَرَدَّدُوا أَيْضَاً في أنَّا، إِذَا أَدَمْنَا النِّكَاحَ نُسَلِّمُهَا إلى الزَّوْجِ تَسْلِيمَ الإمَاَءِ أوْ تَسْلِيمَ الحَرَائِرِ، ولا نُبَالِي بِتَعْطِيلِ المَنَافِعِ على المُقَرِّ لَهُ، والظَّاهِرُ الثاني، وإلاَّ، لَعَظُمَ الضَّرَرُ علَى الزَّوْجِ، وأختلَّتْ مقاصدُ النِّكَاحِ، ويخالفُ أَمْرَ الوَلَدِ؛ لما ذَكَرنا أنَّه موْهُومٌ، ويمكنُه الاحتجاجُ لِلاحتمال الثَّانِي بقَوْلِ الشَّافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في "المختصر": "لا أُصَدِّقُهَا عَلَى فَسادِ النِّكَاحِ، وَلا عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ".

الرابع: في العِدَّةِ:

أما عِدَّةُ الطَّلاقِ، فإنْ كَانَ رَجْعِيًّا، نُظِرَ؛ إنْ طَلَّقَها، ثم أَقَرَّتْ، فَعَلَيْهَا ثلاثةُ أقراءٍ، ولَهُ الرَّجْعَةُ فيها جميعاً؛ لأنَّه قَد يَثْبُتُ ذلكَ بالطَّلاقِ، فَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطٌ بالإقْرَار.

فإنْ أقَرَّتْ ثُمَّ طَلَّقَها فَوَجْهَانِ:

أصحُّهُمَا، وهُوَ الَّذِي أورده الأَكْثَرُون أَنَّ الجَوَابَ كَذَلِكَ؛ لأن النِّكَاحَ أَثْبَتَ له حَقَّ الرجعة في ثلاثةِ أَقْرَاءٍ.

والثاني: أَنَّها تعتدُّ بقرءين عدَّةَ الإماء؛ لأنَّه أَمْرٌ متعلِّقٌ، بالمُسْتَقْبَلِ؛ فأَشْبَهَ إرقاق الأوْلاَدِ، وهذا أصحُّ عند أبي الفَرَجِ الزاز وحَكَاهُ عَنِ ابْن سُرَيْجٍ، فإنْ كَانَ الطَّلاقُ بائِناً، فاصحُّ الوجْهين: أنَّ الحُكْمَ كَمَا في الطَّلاقِ الرَّجْعِيِّ؛ لأَنَّ العِدَّةُ فِيهِمَا لا تَخْتَلِفُ.

والثاني: أنَّها تَعْتَد عدَّةَ الإمَاء على الطَّلاَقِ؛ لأَنَّها مَحْكُومٌ برقها، ولَيْسَ للزَّوْجِ غرَضُ المُرَاجَعَةِ، أَمَّا عدَّةُ الوَفَاةِ، فإنَّهَا تتربَّصُ شَهْرَيْنِ وخَمْسَ لَيَالٍ عدَّةَ الإماء، نَصَّ عَلَيْهِ، ولا فَرْقَ بَيْن أنْ تُقِرَّ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ أو بَعْدَهُ في العِدَّةِ.

والفرقُ بين عِدَّةِ الوفاةِ وَعِدَّةِ الطَّلاقِ أنَّ عِدَّةَ الطَّلاَقِ حقُّ الزَّوْجِ، وإنَّمَا وَجَبَتْ؛ صِيانَةً لمائةَ؛ ألا تَرَى أنَّها لا تَجِبُ قَبلَ الدُّخُولِ، وعدَّةُ الوَفاةِ حقُّ اللهِ تَعالَى؛ فقُبُولُ


(١) قد توهم أن المراد بالحصول وجودهم وليس كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>