للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحهما: أنها مأمورة بالاحتياط، غير مردودة إلى المبتدأة إذ ما من زمان يمرّ عليها إلا ويحتمل الحيض والطهر والانقطاع، فيجب الأخذ بالاحتياط وقد (نقل) أن سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فَأمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ" (١).

فحمله حاملون على أنها كانت ناسية فأمرها به احتياطاً، ومنهم من يثبت سوى القول الثَّاني، لكن طريقة إثبات القولين أظهر، وهي التي ذكرها في الكتاب. فإن قلنا بالرّد إلى المبتدأة، فقد اختلفوا، منهم من طرد فيها القولين في الرد إلى الأقل والغالب، ومنهم من اقتصر على الرّد إلى الأقل.

والأول أظهر وهو قضية إطلاقه في الكتاب، حيث قال: "فهي مردودة إلى المبتدأة في قدر الحيض" ويجوز أن يعلم بالواو، إشارة إلى الوجه الثاني، وأما وقت ابتداء حيضها فلا يمكن أخذه من المبتدأة، لأن ابتداء دورها معلوم بظهور الدم بخلاف الناسية، والمشهور تفريعاً على هذا القول -أن ابتداء حيضها أول الهلال حتى لو أفاقت المجنونة في أثناء الشهر الهلالي- عدت باقي الشهر استحاضة واحتجوا له بأنَّ الغالب أن الحيض يبتدأ مع استهلال الشَّهر، وهذه دعوى يخالفها الحس والوجود.

وعن القَفَّال: أنها إذا إفاقت، فابتداء حيضها من وقت الإفاقة؛ لأن التكليف حينئذ يتوجه عليها.

قال الأئمة: وهذا بعيد أيضاً، فإنها قد تفيق في أثناء الحيض، وأقوى ما زيفوا به أصل القول الذي يفرع عليه ما في ابتداء الحيض من الإشكال، أما الرد إلى الأقل أو الغالب كما في المبتدأة فغير بعيد، ولهذا قال صاحب الكتاب: والصحيح أنه لا يتعين أول الأهلّة، فإنه تحكم محض التحكُّم، بتعيين أوّل الأهلّة دون تعيين القدر، وإن كان ذلك متروكاً على قول الاحتياط أيضاً، ومتى أطلقنا الشهر في مسائل المستحاضات عنينا به ثلاثين يوماً، سواء كان ابتداؤه من أول الهلال أم لا، ولا نعني به الشهر الهلالي، إلا في هذا الموضع على هذا القول. وليكن قوله: "إلى أول الأهلة في وقته" معلّماً بالواو لما حكيناه عن القَفَّال، ثم على هذا القول، هل تؤمر بالاحتياط من انقضاء وقت الرد إلى آخر الخمسة عشر؟ فيه القولان المذكوران في المبتدأة، وأما التَّفريع على قول الاحتياط فقد حصره في ستة أمور ونحن نشرحها على النسق.

قال الغزالي: (الأوَّلُ) أَنْ لاَ يُجَامِعَهَا زَوْجُهَا أَصْلاً لاِحتِمَالِ الحَيْضِ.

قال الرافعي: ليس لزوج المتحيرة وسيدها أن يجامعها أصلاً إذ ما من زمان


(١) أخرجه أبو داود (٢٩٥) وفيه عنعنة ابن إسحاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>