للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل في بيان العصبات وترتيبهم]

قَالَ الرَّافِعِيُّ: أكثرُ ما يُسْتَعْمَلُ لفْظ المتقدُّم في العَصَبَاتِ وترتيبهم، ولفظ الحَجْب في ذوي الفروض، وكأنَّه لذلك جمع بين اللفظَيْنِ في ترجمة الفَصْل.

أما العَصَبَاتُ، فالأقربُ منْهم يُسْقِطُ الأبْعَدَ، وقدِ اشتهر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أُلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أبقت الفَرَائِضُ، فَلأوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ" (١) وقد فسّر "الأولى" بالأقرب وقيل: إنه مأخوذٌ من الولي وهو القُرْب.

وجملة عصباتِ النَّسب: الابنُ والأبُ ومَن يُدْلِي بهما، وأَوْلاَهُمُ الابن، وإنما يقدَّم على الأب؛ لأنَّ الله تعالَى جعَلَ للأبِ معه السُّدُس، وأعطاه الباقي، وأيْضاً، فلابن يعصب أخته، والأبُ لا يعصِّب أختَهُ، فاحتجَّ بذلك على قوَّةِ عصوبَتِهِ، ثم الأَوْلَى بعد البنين بنُوهُمْ، وإن سَفَلُوا، ثم الأب، لأنَّ سائِرَ العصَبَاتِ يُدْلُون به، وبعْده الجَدُّ والإِخوة من الأبوَيْنِ أو مِنَ الأَب في درَجَةٍ واحدةٍ، ولذلك يتقاسَمُون عَلَى ما سيأتي -إنْ شاءَ الله تعالَى- وأبو الجَدِّ، وإنْ علا، مع الأخ كالجَدِّ مع الأخ، يتقاسمون لقوَّة الجُدُودَةِ، ووقوعِ الاسم على القَرِيبِ والبَعِيدِ، هذا ما نصَّ علَيْه، وهو المذْهَب.

وقال الإمامُ الذي رأَيْتُهُ في ذلك [يعني الأصحاب] أنَّ أبا الجَدِّ لا يسقط بالأخ، ولكنْ لا يقاسم الأخ، بل له السدُسُ، والباقي للأخِ، ثم قال: وفي القلب من هذا شَيءٌ، وأَبْدَى المذهبَ المنْصُوص عليه (٢) كما يُبْدِي الاحتمالاتِ (٣)، وإذا لم يكنْ أخٌ، فالأَوْلَى الجَدُّ ثم أَبُوه، وإنْ علا، ويسقط ابن الأخ بالجَدِّ العالي سقُوطَهُ بالجَدِّ الأدنى،


(١) تقدم.
(٢) سقط من: د.
(٣) قال في الخادم: فيه أمران:
أحدهما: ما حكاه عن النص هو في المختصر إذ قال: وكل جد وإن علا فكالجد إذا لم يكن جد دونه من كل جانب إلا في حجب أمهات الجد وإن بعدن، فالجد يحجب أُمهاته، وإن بعدن، ولا يحجب أُمهات من هو أقرب منه اللاتي لم تلده. انتهى.
وجرى عليه الأصحاب العراقيون وغيرهم من غير ذكر خلاف فيه، ووجهه الماوردي ثم قيل: إن جعلتم الجد الأعلى كالجد الأدنى في مقاسمة الإخوة فهلا جعلتم بني الإخوة معهم كالإخوة. قيل: المعنى في توريث الجد ما فيه من التعصيب والولادة، وهذا موجود في الأبعد كوجوده في القريب كما أن معنى الابن في التعصيب والعجيب موجود في ابن الابن، وإن سفل، وليس كذلك حال الأخوة، وبينهم لأن مقاسمتهم الجد إنما كان بقوتهم على تعصيب أخواتهم وحجب أمهم من الثلث إلى السدس وبنو الأخوة قد عدموا هذين المعنيين فلا يحجبون الأُم ولا يعصبون الأخوات فلذلك قصر عن الإخوة في مقاسمة الجد ولم يقصر أب الجد عن مقاسمة الإخوة كالجد.
الأمر الثاني: إن ما حكاه عن الإمام احتمالاً ولم يحفظه وجهاً قد جزم به القاضي الحسين في =

<<  <  ج: ص:  >  >>