للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعيِّ -رضي الله عنه- ومن المَخُوفِ منه -يعْني من المرض- إذا كانت الحمى بدأَتْ بصاحبها ثم إذا تَطَاوَلَ، فهو مخوف، إلاَّ الربع، فقرأ بعضهم: بدأَتْ، وقرأ بعضهم تَدْأَبُ أي: تتعبه، فمن قرأ: بدأت، قال: هي من أول حدوثها مخوفةٌ، والمشهور الأوَّل، وعلى هذا، فلو اتصلَ المَوْتَ بحمَّى يوم أو يومين، نُظرَ في عطيته، إن كان قبل أن يَعْرَقَ فهي من الثلث، وقد بَانَ أنها مخوفة، وإن كانت بعد العرق، فهي من رأس المال؛ لأن أثرها قد زال بالعرق، والموت بسبب آخر، كذلك ذكره صاحب "التهذيب" و"التتمة".

والضرب الثاني: غير المطبقة، وهي أنواع: الورد: وهي التي تأتي كلَّ يوم. والغِبّ: وهي التي تَأتِي يوْماً، وتُقْلِعُ يوماً. والثِّلث: وهي التي تأتي يومَيْن، وتُقْلِع يوماً. حمَّى الأخوَيْن: وهي التي تأتي يومَيْنِ، وتقلع يومين. والرِّبع: وهي التي تأتي يوماً، وتُقْلِعُ يومين (١).

فما سوى الرّبع والغِبِّ من هذه الأنواع مخوفٌ.

والربع على تجرُّدها غير مخُوفَةٍ (٢)؛ لأن المحموم يأخُذُ القوة في يومَيِ الإقلاع.

وفي الغبِّ وجهان (٣)، قال قائلون: هي مخوفةٌ، وبهذا أجاب في "التهذيب".

وقال آخرون: لا، وبه أجاب في "الشامل" أما الحمَّى اليسيرةُ، فهي غير مخوفةٍ بحال. ومنْها: قال الشافعيُّ -رضي الله عنه-: "مَنْ سَاوَرَهُ الدَّمُ حتَّى تغير عقله أو المراد أو البلغم، كان مخوفاً".

وقال أيضاً: "الطاعونُ -نعوذ بالله منه- مخوفٌ حتى يذهب".

قوله: "ساوره" أي: واثبه وهاج به المراد الصفراء، فهيجان الصفراء والبلغم مخوفٌ، وكذلك هيجان الدَّم، بأن يَثُور، وينصب إلَى عُضْوٍ من يد، أو رِجْلٍ، فتحمر وتنتفخ وقد يذْهب العضْو، إن لم يتدارك أمره في الحال، وإن سلم الشخص، وقوله "حتى تغير عقله" ليس مذكوراً على سبيل الاشْتِرَاط، بل هو مخوفٌ، وإن لم يتغيَّرِ العَقْلُ نصَّ عليه في "الأم".


(١) وهذا أخذوه من إظماء الإبل. قال بعض الفضلاء، وكان حقها أن يقال فيها حمى كما يقول الناس: حمى مثلثة. والجواب أنها أول أخذها للإنسان أن يأخذ أول يوم ويدعه يومين آخرين ثم يأخذه في اليوم الرابع فمن هنا سميت ربعاً لا ثلثاً.
(٢) أشار بقوله على تجردها إلى أن هذا ما لم يلزم الفراش. كذا نص عليه في البويطي في باب الطلاق في الربع.
(٣) قال النووي: أصحهما: مخوفة، وبه قطع الرافعي في "المحرر".

<<  <  ج: ص:  >  >>