للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يكن للمودَع القسمةُ، ولا تسليمُ الكلِّ، بل يرفع الأَمر إِلى الحاكم، ليقسِّمه، ويدفع إليه نصيبَهُ واللهَ أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإنْ قَالَ: رُدَّ عَلَيَّ وَكِيلِي فَطَلَب الوَكِيلَ وَلَمْ يَرُدَّ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ وَلَكِنْ تَمَكَنَّ مِنَ الرَّدِّ وَلَمْ يَرُدَّ فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ شَرْعيِّةٍ، كَالثَّوْبِ إِذَا طَيَّرَهُ الرِّيحُ إِلَى دَارِهِ، وَمَهْمَا رَدَّ عَلَى الوَكِيلِ وَلَمْ يَشْهَدْ فَأنْكَرَ الوَكِيلُ لَمْ يَضْمَنْ بِهَذَا التَّقْصِيرَ عَلَى أَظْهَرِ الوَجْهَينِ، بِخِلاَفِ الوَكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فإنَّهُ يُضْمَنِ بِتَرْكَ الإِشْهَادِ لأَنَّ حَقَّ الوَدِيعَةِ الإِخْفَاءُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قال للمودَعِ: رُدَّ الوديعةَ عَلَى وكيلي فلانٍ، فطلب الوكيلَ، ولم يردَّ، فهو كما لو طَلبَ المالكَ، فَلم يردَّ، لكنْ له التأخيرُ، ليشهد المدفوعُ إلَيْه على القبض؛ لأنه لو أَنكر المدفوع إلَيْه، صُدِّق بيمينه، هاِن لم يطلب الوكيلَ، فإن لم يتمكَّن من الرد، لم تَصِرْ مضمونةٌ علَيْه، وإِن تمكن، فوجهاَن؛ لأنَه لمَا أَمره بالدَّفْعَ إلَى وكيله، فكأنه عزله، فيَصِيرَ ما في يده كالأمانات الشرعية، مثْلُ الثوبِ تطيِّره الريح إلَى داره، وفيها وجهان:

أَحدهما: أَنه يمتد إِلى المطالبة، كالوَدَائِعِ.

وأظهرهما: أنه ينتهي بالتمكُّنِ مِنَ الردِّ، قال القاضي ابن كِج: ويجرِي الوجهانِ فيمَنْ وجَدَ ضالَّةً، وهو يعرِفُ مالكها. وذكر إمام الحَرمَيْنِ في "الأساليب": أنه لو قال: رُدَّ الوديعةَ عَلَى من قدَرْتَ عليه من وكَلاَئِي، ولا تُؤَخِّر، فقدر على الردِّ عَلَى بعضهم، وأخَّر ليرده على غيره، فهو ضامنٌ عاص بالتأْخير، وأنه لو لم يقل: ولا تُؤَخَّر يضمن بالتأخير، وفي العِصْيان وجّهان، وأنه لو قال: رُدَّها عَلَى من شِئْتَ منْهم، فلم يردَّها على واحد ليرد على آخر لا يقضي وفي الضمان وجهان، وهل يجبُ عليه الإشهادُ عند الإيداع؟ فيه وجهان، وكذا لو دفع إِليه مالاً؛ ابتداءً، وأَمره بإيداعه أحَدِهما، يجبُ كما لوَ أَمره بقَضَاءِ دَيْنهِ، يلزمه الإِشهاد.

والثاني: لا يجبُ؛ لأنَّ الوديعة أَمانةٌ، وقول المودع مقبولٌ في الردَّ والتلف، فلا يغني الإِشهاد (١)، ولأن الودائع حقُّها الإخفاءُ؛ بخلافِ قضاء الدين، وهذا أَظهر عند صاحب الكتاب، وفي "التهذيب" أَنَّ الأَول أَصحُّ، ويُحْكَى عن أَبي إِسحاق، فإِذا قلنا به، فالحُكْمُ عَلَى ما بيناه في الوكالة، أنه إن دفع في غيبة المالك من غير إِشْهاد، ضمن، وإِن دُفِع، وهو حاضرٌ، لم يضمن، عَلَى الأَصحِّ، وقوله في الكتاب "بخلاف


(١) لم يفصح بترجيح وفي الكفاية تصحيح عدم الوجوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>