للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث ابن عباس، وقد يوهم الخبر اشتراكًا بين الظهر والعصر في قدر من الوقت كما حكيناه عن مالك؛ لأنه قال: صلّى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مِثليه، [وصلى العصر في اليوم الأول حين صار ظلُّ كلَّ شيء مثليه] (١) وأوَّله الشافعي -رضي الله عنه- على أنه ابتدأ العصر من اليوم الأول حين صار ظل الشّيء مثليه، وفرغ من الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل الشيء مثليه.

ودليل التأويل ما روي عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ" (٢). ثم يمتد وقت العصر إلى غروب الشمس؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِن الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَد أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أن تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أدْرَكَ الْعَصْرَ" (٣). وفيه وجه آخر، وإليه ذهب أبو سعيد الإصطخري: أنه لا يمتد إلى غروب الشمس، بل آخر وقت العصر إذا صار ظل الشيء مِثْلَيْهِ، لأنه لو زاد عليه لبينه جبريل عليه السلام، وعلى ظاهر المذهب وقت الاختيار إلى مصير الظل مِثْلَيْهِ، وبعده وقت الجواز بلا كراهية إلى اصفرار الشمس، ومن اصفرار الشمس إلى الغروب، وقت الكراهية، ومعناه أنه يكره تأخيرها إليه.

روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تِلْكَ صَلاَةُ الْمُنَافِقِ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرَنَي الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لاَ يَذْكُرً اللهَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً" (٤).

وأما ما يتعلق بألفاظ الكتاب، فقوله: "وبه يدخل وقت العصر" ينبغي أن يعلم بالحاء؛ لما قدمناه، وقوله: "ويمتد إلى غروب الشمس" بالواو للوجه المنسوب إلى الإصطخري.

فإن قلت: قال الشافعي -رضي الله عنه- في "المختصر": "ثم لا يزال وقت الظهر قائماً حتى يصير ظل كل شيء مثله، فإذا جاوز ذلك بأقل زيادة، فقد دخل وقت العصر ظاهراً"، هذا يقتضي اعتبار زيادة على مصير الظل مثله، ليدخل وقت العصر، وذلك ينافي قوله: "وبه يدخل وقت العصر" فهل في ذلك اختلاف قول أم وجه أم كيف الحال؟ فالجواب أنه لا خلاف في دخول وقت العصر حتى يخرج وقت الظهر عندنا. وكلام الشافعي محمول على أن خروج وقت الظهر لا يكاد يعرف إلا بزيادة الظل على المثل وإلا فتلك الزيادة من وقت العصر. وقوله: ووقت الفضيلة في الأول لا يختص به العصر، بل وقت فضيلة جميع الصلوات أول أوقاتها على ما سيأتي، لكن اجتماع الأوقات الأربعة الفضيلة، والاختيار، والجواز، والكراهية من خاصية وقت العصر والصبح وما عداهما.


(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه مسلم (٦١٢).
(٣) أخرجه البخاري (٥٥٦ - ٥٧٩ - ٥٨٠) ومسلم (٦٠٨).
(٤) أخرجه مسلم (٦٢٢) من رواية أنس -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>