للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية، والسلب مال مغنوم لأنه مأخوذ بقوة الجيش، إذ لولا الجيش لما حصل السلب، ومباشرة القتل لا عبرة بها، أما أنها لم تعتبر في منع الردء من الغنيمة بل هو، والمقاتل المباشر فيها سواء -وبما رواه البخاري، ومسلم من حديث جاء فيه: أن مُعَاذَ ابْنِ عَمْرُو بن الْجَمُوْح وَمُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ ضَرَبَا أبا جهل بسيفيهما حَتَّى قتلاه فأتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ فَقَاَلَ كل واحدٍ مِنْهُما: أنَا قَتَلْتهُ، فَنَظَر في السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كلاكمَا قَتَلَهُ، وَقَضَى بِسَلْبِهِ لِمَعَاذِ بْنِ عَمْرُو بِنِ الجُموحِ" فهذا الحديث نصّ على أن السلب ليس للقاتل، بل هو بتعيين الإمام وبما روي عن طريق عمرو بن واقد عن موسى بن يسار عن مكحول عن جنادة بن أبي أمية أن حبيب بن مسلمة قتل قتيلاً فأراد أبو عبيدة أن يخمس سلبه فقال له حبيب: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بالسَّلب للقاتل فقال له معاذ: مهلاً يا حبيب سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّمَا لِلْمَرءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ" وهذا الحديث أيضاً يدلّ على أن السلب ليس للقاتل، إذ لو كان له لما توقف على طيب نفس الإمام.
ورد على الحنفية في استدلالهم بالآية أنَّ السلب حقيقة من الغنيمة وتشمله الآية؛ ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام بيّن أنه خارج من حكم الغنيمة كما خصت الآية بكثير غير السلب كالقاتل الذمي، وقاتل النساء، والصبيان، وغيرهم ممن لم يقاتل، وإنما جعله -صلى الله عليه وسلم- للقاتل في مقابلة مخاطرته بنفسه رغبة منه في إعلاء كلمة الله تعالى وأما حديث الصحيحين فقد أجيب عنه بأن في سياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن، وإنما حكم بالسلب لمعاذ بن عمرو بن الجموح؛ لأنه رأى أن ضربته هي المؤثرة في قتله لعمقها وظهور أثرها، قال المهلب: "وإنما قال كلاكما قتله وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه لتطيب نفس الآخر".
أما حديث حبيب بن مسلمة، ففيه عمرو بن واقد وهو منكر الحديث كما قاله البخاري وغيره.
وقد ورد على ما استدل به الشَّافعي، ومن معه من قوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ قَتَلَ قَتِيْلاً فَلَهُ سَلْبُهُ" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما قاله يوم حنين، وقد هُزِمَ المسلمون تحريضاً لهم على القتال، قال الإمام مالك: لم يبلغني ذلك في غير حنين، وأجاب الشَّافعي، ومن معه بأن ذلك حفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام في عدة مواطن منها يوم بدر، ويوم أحد، فقد قَتَلَ حاطب بن أبي بلتعة رجلاً فسَلَّمَهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سَلْبَهُ كما أخرجه البيهقي، وفي غزوة مؤتة وفي وقائع كثيرة، واحتج به الصحابة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل مرة خولف فيها أمره عليه الصلاة والسلام. ورُدَّ على الشافعية في تخصيص آية الغنيمة بحديث السلب أن هذا لو كان على سبيل الشرع العام، وهو موضع النزاع. وورد عليهم أن قوله عليه السلام "كِلاَكُمَا قَتَلَهُ" مع قضائه بالسلب لأحدهما ظاهر في أن أمر السلب للإمام، وما يقولونه تأويلاً لهذا بعد قوله: "فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا" وقوله -صلى الله عليه وسلم- "كِلاَكُمَا قَتَلَهُ" بعد نظره في سيفيهما بعيد؛ لأنه يتضمن ثبوت الاشتراك في القتل ومباشرتهما له، وهو موجب لاشتراكهما في السلب والقول بأنه تطيب لنفس الآخر غير مسلّم. بل هو حرمان له بعد تقرير النبي عليه الصلاة والسلام أنه قتل مع صاحبه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- مقدر لجهة الحكم فلا يصح أن يقول هذا ثم يحكم لأحدهما فقط.
فدلّ ذلك على أن المسألة ليست شرعاً مقرراً في ذاته وإنّما هي ترجع إلى رأي الإمام، وقد رأى إعطاء أحدهما دون الآخر وهو الذي يقدر عوامل الإعطاء والحرمان. =

<<  <  ج: ص:  >  >>