للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن حضر، لم يُعْطَ شيئاً، لا السَّهْم، ولا الرَّضْخ؛ لأنَّ ضرر حضورِهِ فَوْقَ ضرر انهزامِ المُنْهَزِمِ؛ والمخذِّل هو الذي يُكثِرُ الأَراجِيفَ؛ وَيُكَسِّر قُلُوبَ الناسِ، وَيُثَبطهُم، فيقول: لا تنفروا في الحر؛ وإنَّ في العَدُوّ كثرةٌ، وما أشبه ذلك، ولا يلحق الفاسقُ بالمُخَذِّل، وذكر القاضي ابن كج: أنَّ أبا الحُسَيْن حكَى وجْهاً: "أنه لاَ يُسْهَمُ له؛ لأنه لا يُؤْمَنُ منه الغَدْرُ والتخْذِيل" (١).

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ إِذَا وَجَّهَ الإِمَامُ سَرِيَّة فَغَنِمْتَ شَيْئاً يُشَارِكُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا جَيْشُ الإمَامِ، إِذَا كانُوا بِالقُرْب مُتَرَصِّدِينَ للِنُّصْرَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لو بعث الإمامُ أو قائدُ الجيشِ سريَّةَ إلَى دار الحرب، وهو مقيمٌ في بلده، فَغَنِمَتْ شيئاً، لم يشركْهُمُ الإمام ومَنْ معه من الجَيْش (٢)؛ كانت السرايَا تَخْرُج من المدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتغنم، فلا يشاركُهُمُ المُقيمونَ بها، ولو بعث سريتَيْنِ إلى جهتين، فلا تشارك إحْدَاهما الأخرَى فيما تغْنَمُ، نعم؛ لو أوغلنا في ديار الكفر، والتقتا في موضع، فيَشْتَرِكَانِ فيما يغْنَمَانِ بعد الاجتماع، ولو بعثهما إلَى جهةٍ واحدةٍ، فإن أَمَّرَ عليهما أسيراً واحداً أو كانت إحداهُمَا قريبةً من الأخرى؛ بحيث تكونُ إحداهما عَوْناً للأخرَى، فيشتركان في الغنائم، وإلا، فلا، ولو دخل الإمامُ دارَ الحَرْب، أو دخَلَها قائدُ الجَيْش، فوجَّه سريةً إلَى ناحيةِ فغنِمَتْ شاركهم جيشُ الإمام، ولو غنم الجيش، شاركته السريةُ؛ لاستظهارِ كلِّ فرقة منها بالأخْرَى، وقد رُوِيَ أنَّ جيش المسلمين تَفَرَّقُوا، فَغَنِمَ بعضُهم بـ"أوْطَاس" ومنهم بخيبر فشركوهم، ولو وجه سريتَيْنِ إلَى جهةٍ واحدةٍ، اشترك الكلُّ فيما يغْنَمُ كلُّ منهم، ولو وجههما إِلَى جهتين، فكذلك في ظاهر المَذْهَب؛ لأنَّ كل واحدةٍ منهما تستظهرُ بجَيْش الإمام، وهو كالجامِعِ لهما؛ بخلاف ما لو بعثهما إلَى جهتين، وهو في بلدِهِ، حيث لا تُشَارك إِحداهما الأخْرَى؛ لأنه لا جامِعَ هناك، ولا تستظهر واحدةٌ منهما بالأخُرَى، وفيه وجهٌ: أنه لا مشاركةَ بين


(١) قال النووي: كذا قطع الجمهور، أن المخذِّل لا رضخ له. وقال الجرجاني "في التحرير": إن حضر بإذن الإمام، رضخ له. والله أعلم.
قال في الخادم: وعجب حكايته عن التحرير وهو في الرافعي في كتاب السير وقد صرح به في الروضة هناك.
قال: أعني صاحب الخادم وشمل إطلاقه ما لو قتل كافراً وهو قضية ما سبق أنه لا يستحق سلبه لأنه ضرر كله ونحن إنما نسهم أو نرضخ لمن ينفع ولا يضر.
(٢) قال النووي: سواء كانت دار الحرب قريبة من الإمام، أم لا. حتى لو بعت سرية، وقصد الخروج وراءها، فغنمت السرية قبل خروجه، لم يشاركها وإن قربت دار الحرب؛ لأن الغنيمة للمجاهدين، وقبل الخروج ليسوا مجاهدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>