للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى كل صلاة، بل إلى بعض الصلوات، وليس دعاء على أي وجه اتفق بل له كيفية مخصوصة، ولا يدعو به كل أحد بل بعض الناس، فتمس الحاجة إلى بيان الصلاة التي هي محل الأذان، وبيان كيفية الأذان وصفات المؤذن؛ فتكلم في هذه الأمور في ثلاثة فصولها وافتتح القول في الأول يذكر الخلاف في أنه سنة أم فرض كفاية؟ ولو قدم هذه المسألة على الفصول أجمع، وقصر كلام الفصل الأول على بيان الصلوات التي تشرع فيها الأذان سُّنة كان أم فرضا كان أليق بترجمة الفصل، وكذلك فعل في "الوسيط"؛ واختلفوا في الأذان والإقامة أهما سنتان أم فرضاً كفاية؟ على ثلاثة أوجه:

أصحهما: أنهما سنتان لأنهما للإعلام، والدعاء إلى الصلاة، فصار كقوله: "الصلاة جامعة" في العيدين ونحوهما، ولأَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم-: "جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ وَأَسْقَطَ الأَذَانَ مِنَ الثَّانِيَةِ" (١). والجمع سنة، فلو كان الأذان واجباً لما تركه لسنة.

والوجه الثاني: أنهما فرضا كفاية لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإذَا حَضُرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ" (٢).

وظاهر الأمر للوجوب، ولأنه من شعائر الإسلام فليؤكد بالفرضية، وهذان الوجهان هما اللذان أرادهما المصنف بالرأيين.

والثالث: أنهما مسنونتان في غير الجمعة، وفرضا كفاية في الجمعة؛ لأنها اختصت بوجوب الجماعة فيها فاختصت بوجوب الدعاء إليها، وبالوجه الثالث قال ابن خيران، ونسبه القاضي ابن كج والشيخ أبو حامد إلى أبي سعيد الإصطخري، ونسب آخرون إلى أبي سعيد الوجه الثاني دون الثالث، فإن قلنا: هما سُّنة فلو اتفق أهل بلدٍ على تركها، هل يقاتلون عليه فيه وجهان:

أصحهما: لا، كسائر السنن.

والثاني: نعم ينسب إلى أبي إسحاق المروزي، لأنه من شعائر الإسلام فلا يمكن من تركه، وإن قلنا: هما فرضا كفاية فإنما يسقط الحرج بإظهارهما في البلدة أو القرية بحيث يعلم جميع أهلها أنه قد أذن فيها لو أصغوا؛ ففي القرية الصغيرة يؤذن في موضع واحد، والبلدة الكبيرة لا بد منه في مواضع ومحال، فلو امتنع قوم منها قوتلوا، ومن قال: بافتراضهما في صلاة بالجمعة خاصة فقد اختلفوا؛ منهم من قال: الأذان الواجب هو الذي يقام بين يدي الخطيب فإنه الذي يختص الجمعة فلا يبعد إيجابه كالجماعة والخطبة وغيرهما، وهذا ما حكاه الشيخ أبو محمد عن أحمد بن سيار من


(١) أخرجه مسلم من رواية جابر، انظر الخلاصة (١/ ٩٩).
(٢) أخرجه البخاري (٦٣١ - ٦٢٨ - ٦٣٠) ومسلم (٦٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>