للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قَضَيْنَا بِالفَسَادِ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَهْرِ المِثْلِ عَلَى قَوْلٍ، وَإِلَى قِيمَةِ ما يَقْتَضِيهِ التَّوْزِيعُ عَلَى قَوْلٍ لأَنَّ هَذَا مَجْهُولٌ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَجْهُولاً لا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّن مَهْرُ المِثْلِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا جمع بين نِسْوَةٍ في عَقْدٍ واحد، وذكر لِلْكُلِّ صَدَاقاً واحدًا، يصح النِّكَاحُ، وفي الصَّدَاقِ قولان، وهذا قد يُصَوَّرُ عند اتِّحَادِ الوَليَّ بأن يكون للِرَّجُلِ بَنَاتُ ابن، أو أخ، أو عم مختلفات الآباء، أو يكون له عَتِيقَاتٌ، وقد يُصَوَّرُ مع التَّعَدُّدِ بأن وَكَّلَ أَوْلِيَاءُ النِّسْوَةِ رَجُلاً، فَزَوَّجَهُنَّ في عَقْدٍ واحد أَحَدُ القولين، وبه قال أبو حنيفة وأحمد أنه صحيح؛ لأن الجملة مَعْلُومَةٌ، وستعلم التفصيل بالتَّوْزِيعِ، وإذا علمت الجملة والتفصيل كَفَى ذلك لِصِحَّةِ العَقْدِ؛ ألا ترى أنه لو بَاعَ عَبِيداً له أو شِقْصاً وعَبْداً يجوز، وإن كانت حِصَّةُ كل واحد مَجْهُولَةٌ، ولو قال: بعتك هذه الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بدرهم، يصح، وإن كانت الجملة مَجْهُولَةً.

وأصحهما: الفَسَادُ؛ لأن تَعَدُّدَ العاقد يُوجِبُ تَعَدُّدَ العقد، والصَّدَاقُ مجهول في كل عقد، فيفسد، ويجري القَوْلاَنِ، فيما لو خالَعَ نِسْوَةَ على عِوَضٍ واحد، هل يفسد العِوَضُ؟ وتحصل البَيْنَونُةُ لا مَحَالَةَ.

وقطع بعضهم بالفساد في الصورتين، ويحكى ذلك عن أبي إسْحَاقَ، والمَنْقُولُ عن نَصِّ الشَّافعي -رضي الله عنه- أنه لَو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أو عبيداً، كُلَّ وَاحِدٍ لمالك صفقة واحدة، إما من المَالِكِينَ، أو من وَكِيلِ لهم، بَطَلَ البَيْعَ، وأنه لو كَاتَبَ عَبِيداً على عِوَضٍ واحد، تصح الكِتابَةُ، واختلف في البيع والكِتابَةِ، الذين أَثْبَتُوا القولين في النِّكَاحِ والخُلْعِ على أربعة طُرُقٍ.

أحدها: إِثْبَاتُ القولين في البَيْعِ والكِتَابَةِ أيضاً؛ إلا أن القَوْلَيْنِ في النكاح والخُلْعِ في صِحَّةِ المُسَمَّى، لا في أَصْلِ النكاح والبَيْنُونَةِ، وهاهنا القولان في أصْلِ البيع، وكذا في الكِتابَةِ؛ لأنها تَفْسَدُ بفساد العِوَضِ، كالبيع، والقولان على هذه الطريقة يُمْكِنُ أخذهما من القَوْلَيْن في النكاح والخُلْعِ، ويمكن اسْتِخْراجُهُمَا من التَّصَرفِ في نَصِّ "البيع" و"الكتابة".

والثانى: إِثْبَاتُ القَوْلَيْنِ في الكتابة، والقَطْعُ بِفَسَادِ البيع، والفرق أن البَيْعَ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ، وتَأْثِيرُ فساد العوض والجَهْلِ به في البَيْع أَشَد من تأْثِيرِهِمَا في العُقُودِ الثلاثة؛ لأن البَيْعَ يَلْغُو بفساد العِوَضِ، والجَهْلِ به، والنِّكَاحُ والبَيْنُونَةُ لا يَتأَثَّرانِ بذلك، والكتابة وإن فسدت لا تَلْغُو، بل إذا أَدَّى المُسَمَّى عُتِقَ بموجب التَّعْلِيقِ.

والثالث: إِثْبَاتُ القَوْلَيْنِ في البيع، والقَطْعُ بِصِحَّةِ الكتابة، والفَرْقُ من وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>