للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا اعْتِبَارَ لِذِكْرِهَا إذا لم يَتَّصِلْ بها القَبْضُ قبل الإِسْلاَمِ، ولهذا لو أَسْلَمَا، أو أحدهما قبل أن تَصِيرَ خَلاًّ يحكم بِوُجُوب مَهْرِ المِثْلِ، ولوَ أصْدَقَهَا عَصِيراً فَتَخَمَّرَ في يده، ثم عاد خَلاًّ، ثم أَسْلَمَا أَو تَرَافَعَا إلينا نُلْزِمُهُ قيمته (١)، ولا عبرة بِتَخَلُّلِ الخَمْرِ، ولو قبضت الذِّمِّيَّةُ الخَمْرَ، ثم طَلَّقَهَا قبل الدخول، أو أَسْلَمَا، أو تَحَاكَمَا إلينا، فلا رُجُوعَ للزوج؛ لأن الخَمْرَ إن كانت بَاقِيَةٌ، فلا مَالِيَّةَ لها، ولا يجوز قَبْضُهَا في الإِسلام، وإن تَلِفَتْ عندها، فلا قِيمَةً لها حَتَّى يُفْرَضُ رُجُوعٌ، وإن صارت خَلاًّ عندها، ثم طَلَّقَهَا قبل الدخول، فهذه مَسْأَلَةُ الكتاب، فهل للِزَّوْجِ أن يرجع إلى نِصْفِ الخَلِّ؟ فيه وجهان:

أحدهما: وبه قال ابْنُ الحَدَّادِ، نعم: لأن عين الصَّدَاقِ بَاقِيَةٌ، وإنما تَغَيَّرَ بَعْضُ صِفَاتِهَا.

والثاني: لا يرجع بشيء؛ لأن حَقَّ الرُّجُوعِ إنما يَثْبُتُ إذا كان المَقْبُوضُ مَالاً، وها هنا حدثت المَالِيَّةُ في يدها، فهو كَزِيَادَةِ مُنْفَصِلَةٍ حصلت عندها.

قال في "التتمة": والوجهان كالوجهين فيما إذا غَصَبَ خَمْراً، فَتَخَلَّلَتْ في يد الغَاصِبِ يكون الخَلُّ لِلْمَغْصُوبِ منه، أو لِلْغَاصِبِ، وذكرنا هناك أن الأَصَحَّ أنه لِلْمَغْصُوب منه المُلاَئِمُ له ترجيح الرُّجُوعِ هاهنا، وإذا قلنا به، فلو تَلِفَ الخَلُّ أو أَتْلَفَتْهُ، ثم طَلَّقَهَا، فوجهان:

أحدهما: ويحكى عن الخُضَرِيِّ -أنه يرجع بِمِثْلِ نِصْفِ الخَلِّ؛ لأنه لو بقي لرجع في نِصْفِهِ، فإذا تَلِفَ كان الرجوع إلى بَدَلِهِ.

والثاني: وبه قال ابْنُ الحَدَّادِ أنه لا يرجع بشيء؛ لأن الرُّجُوعَ إلى بَدَلِ الصَّدَاقِ عند تَلَفِهِ، ينظر فيه إلى يوم الإِصْدَاقِ، والقبض، ألا ترى أنه إذا كان متقوّماً، ينظر إلى قيمته يَوْمَ الإصْدَاقِ، وقيمته يوم القَبْضِ، ويحكم بِوُجُوبِ نِصْفِ الأقل منهما، وهاهنا لم يكن الصَّدَاقُ مَالاً لا عند الإِصْدَاقِ، ولا عند القَبْضِ، فيمتنع الرُّجُوعُ إلى بَدَلِهِ، والأَصَحُّ الأول عند الشيخ أبي عَلِيٍّ.

ولو أصدقها جِلْدَ مَيْتَةٍ، فقبضه ودَبَغَتْهُ ثم طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ، ففي رجوعه إلى النِّصْفِ منه وجهان مُرَتَّبَانِ على الوجهين، فيما إذا تَخَلَّلَتِ الخَمْرَةُ، وأَوْلَى بأَلاَّ يرجع، لأن الخَمْرَ انْقَلَبَتْ خَلاًّ بنفسها، لا صُنْعَ لأحدٍ فيه، وهاهنا أَحْدَثَتِ المَرْأَةُ مَالِيَّتَهُ


(١) قال الشيخ البلقيني: هذا غير مسلم لأنا إن قلنا بانفساخ عقد الصداق، فينبغي أن يلزمه مهر المثل، وإن قلنا ببقائه فلا يلزمه شيء. وإن قلنا لها أن لا تأخذه لهذا العيب فلها مهر المثل، وحيث قلنا بالبدل فالعصير مثلي لا متقوم، ثم قال قياس قول ابن الحداد هنا أن يعطيها العصير وهو المختار.

<<  <  ج: ص:  >  >>