للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَتَبَرَّعَ بحقها، فيعود جَمِيعُ الصَّدَاقِ إلى الزَّوْجِ، واختلفوا فيمن بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، فقال في القديم: المُرادُ منه الوَلِيُّ، والمعنى إلا أن تَعْفُو المَرْأَةُ إن كانت من أَهْلِ العَفْوِ، أو وَليُّهَا إذا لم تكن من أَهْلِ العَفْوِ، فيعود جَمِيعُ الصَّدَاقِ إلى الزَّوْج، وبهذا قال مَالِكٌ، ويروى عن ابن عَبَّاسِ -رضي الله عنهما-، وَوُجِّهَ بأن أَوَّلَ الآية خَطَابٌ للأزواج، فلو أراد بمن بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الأَزْوَاجَ، لما عَدَلَ من المُخَاطَبَةِ إلى الغيبة بل قال إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ تعفوا أنتم.

وقال في الجديد: المُرَادُ منه الزَّوْجُ، والمعنى: أو يَعْفُو الزَّوْجُ عن حَقَّهِ فَيَخْلُص لها جَمِيعُ الصَّدَاقِ، ولا يَنْتَصِفُ، وبه قال أبو حنيفة، ويروى عن عَلِيٍّ -كرم الله وَجْهَهُ- ووجه القِيَاسُ البَيِّنُ، وهو أن الوَلِيَّ لا يُسْقِطُ حَقَّ المولى عليه، إذا عُرِفَ ذلك، فالقَاعِدَةُ الأولى في ألفاظ التَّبَرُّع من الزَّوْجِ، أو الزوجة، والواجب عند الطَّلاَقِ قبل الدُّخُولِ، إما أن يكون دَيْناً أو عَيْناً، والدَّيْنُ قد يكون في ذِمَّةِ الزَّوْجِ، بأن أَصْدَقَهَا في الأَصْلِ دَيْناً، وقد يكون في ذِمِّيِهَا بأن أَقْبَضَهَا الصَّدَاقَ، وكان عَيْناً أو دَيْناً، فَتَصَرَّفَتْ فيه، واسْتَهْلَكَتْهُ، فينظر إن تَبَرَّعَ مستحق الدَّيْنِ بإِسْقَاطِهِ، نَفَذَ بلفظ العَفْوِ والإِبْرَاءِ والإِسْقَاطِ والتَّرْكِ.

وحكى الحناطي وَجْهَيْنِ في أن لَفْظَ التَّرْكِ صَرِيحٌ أو كِنَايَةٌ، ولا حَاجَةً [في هذه الألفاظ] (١) إلى قبول مَنْ عليه على المَذْهَب.

وفيه وجه مذكور في باب الضَّمَانِ، وينفذ بلفظ الهِبَةِ والتَّمْلِيكِ، وفيهما وجه آخر حكاه ابن كج (٢) والظَّاهِرُ الأَوَّلُ، وهل يحتاج اللَّفْظَانُ إلى القَبُولِ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، كما لو اسْتُعْمِلاَ في الأَعْيَانِ.

وأظهرهما: وهو المذكور في "التهذيب" -المَنْعُ؛ اعتماداً على حَقِيقَةِ التَّصَرُّفِ، وهي الإِسْقَاطِ، وإن تبرع من في ذمته بالنِّصْفِ الآخر، فالطريق أن ينقله ويملكه ويقبله صَاحِبه، ويقبضه، فإنه ابْتِدَاءٌ هِبَةٍ منه، فلا يَنْتَظِمُ لَفْظُ العَفْوِ والإِبْرَاءِ من جِهَتِهِ، نعم لو كان الصَّدَاقُ في ذِمَّةِ الزوج، وقلنا: إِنه لا يَتَشَطَّرُ بنفس الطَّلاَقِ، ولكن له اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ، فإذا قال: عَفَوْتُ سقط خِيَارُهُ، كما لو عَفَا عن الشُّفْعَةِ تسقط، ويبقى جَمِيعُ الصَّدَاقِ في ذِمَّتِهِ، وأما إذا كان الصَّدَاقُ عَيْناً، فالتَّبرُّعُ فيها هِبَةٌ ممن المَالُ في يده.

فأما إن كان في يد المُتَبَرِّعِ، فلا بدّ من الإِيجَابِ والقَبُولِ والقبض، وإن كان في يَدِ الآخر، فهو هِبَةٌ المَالُ في يده فتعتبر مدة إِمْكَانِ القبض، وهل يحتاج إلى إذْنٍ جَدِيدٍ في القَبْضِ بهذه الجهة؟ فيه خلاف قد سَبَقَ في "كتاب الرَّهْنِ"، وإذا كانت العَيْنُ عند


(١) سقط في: أ.
(٢) في ب: القاضي ابن كج.

<<  <  ج: ص:  >  >>