للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: من الشروط: ألا يَكُونُ هناك من يُتَأَذَّى بحضوره، ولا يَلِيقُ به مُجَالَسَتُهُ، فإن كان، فَيعْذَرُ في التَّخَلُّفِ، وأشار في "الوسيط" إلى وجه آخر فيه.

ومنها: ألا يكون هناك مُنْكَرٌ كَشُرْبِ الخَمْرِ والمَلاَهِي، فإن كان، نظر إن كان الشَّخْصُ ممن إذا حَضَرَ رَفَعَ المُنْكَرَ، فليحضر إجَابَةً للدعوة، وإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، وإلا فوجهان:

أحدهما: أن الأَوْلَى ألا يَحْضُرَ، ويجوز أن يَحْضُرَ ولا يَسْتَمِعَ، ويُنْكِرَ بقلبه، كم لو كان [يُصَوَّتُ] (١)، بالمنكر في جِوَارِهِ، فلا يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ، وإن كان يَبْلُغُهُ الصَّوْتُ، وعلى هذا جرى العراقيون من الأصحاب.

وأصحهما: أنه لا يجوز له الحُضُورُ، وإلى ترجيحه ذَهَبَ القاضيان ابْنُ كَجٍّ، والروياني؛ لأنه الرّضْا بالمنكر، والتَّقْرِيرِ (٢) عليه، ويروى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلاَ يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الخَمْرُ".

وإن لم يعلم حتى حَضَرَ فنهَاهم، فإن لم يَنْتَهُوا، فليخرج، في جَوَازِ العُقُودِ وجهان (٣)، فإن لم يُمْكِنْهُ الخُرُوجُ، كما إذا كان باللَّيْل، وفي الخروج خَوْفٌ، فيقعد كَارِهاً، ولا يسمع، وإذا كانوا يَشْرَبُونَ النَّبيذَ المُخْتَلَفِ في حِلِّهِ، فلا ينكر.

قال القاضي ابْنُ كَجٍّ: "لأنه في مَوْضِع الاجْتِهَادِ (٤) والأولى أن يكون الحضور ممن يعتقدُ التحريم، كما في المنكر المُجْمَعِ عَلى تَحْرِيمِهِ، وقيل بخلافه.

ومن المنكرات فُرُشُ الحرير (٥) وَصُوَرُ الحيوانات على السُّقُوفِ، والجُدْرَانِ،


(١) في ب: يضرب.
(٢) قال النووي: الوجه الأول غلط، ولا يثبت عن كل العراقيين، وإنما قاله بعضهم وهو خطأ، ولا يغتر بجلالة صاحب "التنبيه" ونحوه ممن ذكره.
(٣) قال النووي: أصحهما التحريم.
(٤) قال الأذرعي في القوت: قال السبكي مجالة الفاسق على فسقه حرام، وإذا كانوا يشربون النبيذ المختلف في إباحته، قال ابن كج والرافعي والنووي: لم ينكر لأنه مجتهد، والصواب عندي أنه ينكر لضعف دليله، ويدل عليه قول الشَّافعي إنه يحد شاربه، وما هو إلا لضعف مستدركه، وأي إنكار أعظم من الحد.
قال الأذرعي: واعلم أن عبارة الرافعي وإن كانوا يشربون النبيذ المختلف في حله، قال فلا ينكر، قال ابن كج لأنه موضع اجتهاد والأولى أن يكون الحضور في حق من يعتقد التحريم في المسكر المجمع على تحريمه، وقيل: بخلافه ففرض الكلام في الحضور.
والظاهر ما قاله الشيخ السبكي خصوصاً في هذا الزمن ولو رأى الشيخان أهل هذا العصر لم يتردد في الإِنكار.
(٥) قال الأذرعي: أي في دعوة اتخذت الرجال، وأما دعوة النساء خاصة فينبني على افتراشهن =

<<  <  ج: ص:  >  >>