للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الْتَقَطَهُ لم يؤخذ منه، وهل يملكه؟ فيه وجهان عن الدَّارِكيِّ.

أحدهما: لا؛ لأنه لم يوجد لَفْظُ مَمْلُوك ولا تَمْلِيك لمعين.

والثاني: نعم، اعْتِبَاراً بالعَادَةِ، ورأى المتولي أن أَصْلَ هذا الخلاف، الخِلاَفُ في المُعَاطَاةِ، لكن الأئِمَّةَ إلى ثبوت المِلْكِ هاهنا أَمْيَلُ، فإن قُلْنَا بالوَجْهِ الأول، فَلِلنَّاثِرِ الاسْتِرْجَاعُ وبه أجاب القاضي ابْنُ كَجٍّ، ولكن قال: له الاسْتِرْجَاعُ ما لم يخرج المُلْتَقِطُ من الدَّارِ، وعليه الغُرْمُ إن كان أَتْلَفَهُ، وإن قلنا بالثاني، فيخرج عن مِلْكِ النَّاثِرِ بالنَّثْرِ، أو يأخذ المُلْتَقط، أو بِإتْلاَفِهِ، فيه ثلاثة (١) أوجه مَذْكُورَةٌ في "شرح الجويني" وكل هذا قَرِيبٌ مما سَبَقَ في الطعام المُقَدَّمِ إلى الضيف، ومن وَقَعَ في حِجْرِهِ شيء من النِّشَارِ، فإن بَسَطَهُ لذلك لم يُؤْخَذْ منه، ونزل مَنْزِلَةَ الأَخْذِ باليد، فإن سَقَطَ، كما وقع، فهل يَبْطُلُ حَقُّهُ؛ لأنه لم يَسْتَقِرَّ أَوْ لا يَبْطُلُ، ويمنع الغير من أَخْذِهِ، حكى في الكتاب وَجْهَيْنِ، وأَجْرَاهُمَا الإِمَامُ فيما إذا وقع الصَّيْدُ في الشَّبَكَةِ، وأَفْلَتَ في الحال، وقال: الظَّاهر أن حَقَّهُ يبقى بحاله، ويمنع الغير من أَخْذِهِ، فإن لم يَبْسُطْ هِجْرَهُ لذلك، فلا يملكه؛ لأنه لم يُوجَدْ منه قَصْدُ تملك، ولا فعل، فلو نَقَضَهُ، فهو كما لو وَقَعَ على الأرض أو لا وإلا فهو أَوْلَى به من غيره، فلا يَنْبَغِي لغيره أن يَأْخُذُهُ، فإن أَخَذَهُ فهل يملك؟.

فيه وجهان جاريان فيما لو عَشَّشَ الطَّائِرُ في مِلْكِهِ، وأَخَذَ الفَرْخَ غَيْرُهُ، وفيما لو دخل السَّمَكُ مع الماء حَوْضَهُ، وفيما إذا وقع الثَّلْجُ في ملكه، فأخذه غَيْرُهُ، وصورة التَّعْشِيشِ قد تَعَرَّضْنَا لها عند ذِكْرِ الخِلاَفِ، فيما إذا أحيا ما يحجره غيره، لكن الأَصَحَّ أن المُحْبِي يَمْلِكُ، وفي هذه الصورة مَيْلُهُمْ إلى المنع أكثر، ويمكن أن يُفَرَّقَ بأن المُتَحَجِّرَ غَيْرُ مَالِكٍ، وليس الإِحْيَاءُ تَصَرُّفاً في مِلْكِ الغَيْرِ، وفي هذه الصورة الأَخْذُ متصرف في مِلْكِ الغير بِدُخُولِ غيره، ولو سَقَطَ من حجره قبل أن يقصد أخذه، أو قام، فَسَقَطَ بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ، كما لو مَلَكَ الفَرْخُ جِمَاحَهُ فطار يجوز لغير صَاحِب الدَّارِ أخذه بلا خِلاَفٍ، ثم أَوْلَوِيَّةُ من وقع في حِجْرِهِ مخصوصة بما إذا كان ممن يَأْخُذُهُ.

فأمَّا من يعلم أنه لا يَأْخُذُهُ ولا يَرْغَبُ فيه فلا اخْتِصَاصَ له به وَيجُوزُ لغيره أَخْذُهُ منه بذلك ذكره صاحب "التهذيب" وغيره ويُكْرَهُ أخذ النِّثَارِ من الهَوَاءِ بالمُلاَءَةِ، والأُزُرِ


= قصده، وإنما قصد به قصد الجماعة فأكرهه لأخذه لأنه لا يعرف حظه من حظ من قصد به بلا إذنه وأنه خسة وسخف. ونقل هذا النص بحروفه الأذرعي في القوت. قال: ونقله في الروضة في كتاب الشهادات عن الشامل وتبعه عليه وجزم به الجماهير لا سيما العراقيون وليس في الإِبانة والتتمة سواه إلى آخر ما ذكره.
(١) قال النووي: الأصح أنه يملك بالأخذ كسائر المباحات.

<<  <  ج: ص:  >  >>