للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا تذكرت ذلك فإذا انتهى إلى مقصده الَّذِي كان عَزَم على الإِقامة به أربعةَ أيَّام أو أكْثَرَ، أو عزم عليها عندما انتهى إلَيْه، فيقضي مُدَّةَ إقامَتِهِ، وفي مدة الرجوع وجْهَان: أشبههما [أنَّه] لا يقضي؛ لأنه خرج بالقرعة والخروج يعقبه الرجوع فكما لا يقضي مدة الذهاب لا يقضي مدة الرجوع.

والثَّانِي: أنَّه يجب القضاء؛ لأن السَّفَر قد انْقَطَعَ بالإِقَامَة، وهذا كسفر بغَيْر قُرْعة، وصور الشيخ الزاز فيما إذا قد سافر للتجارة ثم عزم على إقَامَةِ النُّقْلَةَ وحكى فيه الوجْهَيْن هذا في عزم الإِقَامَة، وأمَّا نفس الإِقامة (١) فعن كلام الإِمَام: أنه لا يلزمه القَضَاء بإقامَةِ يَوْمٍ واحدٍ؛ لأن القضاء إنما يَجِبُ إذا فازت المستصحَبَةُ بصُحْبَتِه من غَيْر أن تَتَحَمَّل مَشقَّة السَّفَر، وباليَوْم الوَاحِدِ لا ترتفع المشقة، ولا تحصل الدَّعَة والرفاهية، وهذا قوْلُه في الكتاب: "وَلاَ يَلْزَمُهُ القَضَاءُ بِإِقَامَةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ وإن كان يمتنع به الترخص" وامتناع الترخص بإقامة اليَوْم الواحد يُمْكِنُ فرْضُه فيما إذا انتهى إلى مقصده الذي كان قد عزم على الإِقامَةِ فيه أربعةَ أيَّام أو أكثَرْ، وفيما إذا أقام لشُغْلٍ ليرتحل مهما تنجز فينجز وأقام بعد ذلك يوماً ثم في الصُّورَتَيْنِ إقامَةُ ما دون اليَوْمِ كإِقَامَةِ اليَوْمِ، فيكون ذلك اليَوْمُ عَلَى سَبِيل التَّمْثِيلِ، فهذا ما يشتمل عليه الكتَابُ، وكلام الإِمام فيه ما يُفْهِمُ وجوب القَضَاء، ولو زادت إقامته على يَوْمٍ واحدٍ لكن الدعة والرفاهية لا تكاد تَحْصُلُ باليوم الواحد، ولذلك احتملنا ثلاثة أيَّامٍ على الْوَجْهِ المذكور في "صَلاَةِ المُسَافِرِينَ" والأقرب ما أورده صاحب "التَّهْذِيبِ" فقالُ: "ولو حمل بعضهن بالقرعة وزاد مقامه [في بلدٍ] على مقامِ المسافرين يجبُ عَلَيْهِ أن يقْضِيَ ما زاد على مقام المسافرين" هذا لفظه، وفيه تسوية بين ما نَحْنُ فيه وبين الترخُّص بالقَصْر، والله أعلم. وإن أقام لِشُغْلٍ يتوقع تنجزه فالخلاَفُ في القضاء، كالخِلاَف في الترخص.

قال في "التَّتِمَّة": إن قلْنَا: يترخص فلا يَقْضِي؛ لأنا لم نحكم بإقامته، وإن قُلْنَا: لا يترخَّصُ، فيقضي ما زاد على مدَّة المسافرين، وهذَا يؤيد التَّسْوِيَة بَيْن الأصلين، والقِيَاسُ في مدَّة الرُّجُوع في هذه الحالة أن يقال: إنْ لمْ نوجبِ القضاء لمُدَّة هذه الإِقَامَة، فلا يقضي مدة الرُّجُوع وإن أوجبنا القضاء، ففي قضاء مدة الرُّجُوع الوَجْهَانِ السابقانِ؛ لانقطاع السفر الأول.

والأظهر من الخلاف في الترخص -أنه إن كان يتوقع تنجز الشغل لحظةً فلحظةً أن يترخص إلى ثمانية عَشَرَ يَوْماً، وإن كان يعلم أنه لا ينجز في أربعة أيام ألاَّ يسترخص أصلاً، وقد ذكرْنَا ذلك في موْضِعِه، وقوْلُهُ في الكتاب فَصَارَ سقوط القَضَاءِ عَلَى خِلاَفِ


(١) يعني إن لم ينوِ الإِقامة وأقام. كما في الروضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>