للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه في الكتاب: "فَلَهُ الوَعْظ أو مهاجرةُ المَضْجَع أو الضَّرْب" أراد به ذلك التفصيل الذي اختاره، وإن كان الظاهر لفظ التخيير، يوضِّحُه قولُهُ بعده: فإنْ عَلِمَ أن الوعظ لا ينجع كان له البداية بالضَّرْبِ", وقوله: "ينجع" لا أي لا يؤثر، ولا يفيد، يقال: نَجَعَ فيه الخِطَابُ، والوَعْظ ينجع، ويجُوزُ أن يعلَّمَ قوله: "أو الضرب" بالوَاوِ وكذا قوله: "كان له البداية بالضَّرْبِ" لأنَّهُ علق الضرب بمطلق حصول النشوز، وقد ذكرنا أن على قول يشترط فيه الإِصْرَار والتَّكْرار، ثم تكلَّم في الكتاب في أن المرأة بم تصير ناشزة فالخروج عن المسكن والامتناع من مساكنة الزوج نشوزٌ والمَنْع من الاستمتاع، بحيث يحتاج في رَدِّهَا إلى الطَّاعَة إلى تعَبٍ نُشُوزٌ ولا أَثَرَ لامتناع الدَّلاَل وَلَيْسَ من النُّشُوز الشَّتْم وبَذَاءَة اللِّسَان، ولكنَّها تَأْثَمُ بايذائه وتستحق التأديب عليه، وذكر وجهين في أن الزَّوْج يؤدبها أم يرفع (١) الأمر إلى القاضي؟.

والوجْهُ الثَّاني: أن الزوج فيما وراء المساكنة والاستمتاع؛ كالأجنبي، والأوَّل بأن ذلك تنغيص للعيش وتكدير للاستمتاع فهي كالممتنعة من الاستمتاع ولو مكنت من الجماع ومنعت من سائر الاستمتاعات، فهل هو نُشُوزٌ مُسقِطٌ للنفقة؟ فيه وجهان (٢): قربا من الخلاف فيما إذا سلم السيد الأمة إلى الزَّوْج ليْلاً واستخدمها نهاراً، وبالمنع أجاب بعض أصحاب الإِمام.

وقَوْله في الكِتَاب: "احتمل أن يسقط كما ذكرنا (٣) في الأمة" إشَارة إلَى هَذَا الخِلاَفِ، وفي بعض النَّسَخ، "احتلم أن يسقط من النفقة بَعْضَها"، والأول أوْلَى؛ لأنَّه يوافق لفظه في "الوسيط"، ولأن التبعيض في مسألة الأَمَة مأخوذ من تشطر الزمان، وليس للتبعيض هاهنا مأخذ معتمد.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الحَالَةُ الثَّانِيَةُ): أَنْ يَكُونَ العُدْوَانُ مِنْهُ بِالضَّرْبِ وَالإِيذَاءِ فَيُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَى بَعُودَ إِلَى العَدْلِ.

قال الرَّافِعِيُّ: إذا كان التعدِّي من الرَّجُل، نُظِرَ إن كان يمنعها شَيْئاً من حَقِّهَا؛ كنَفَقَةٍ أو قَسْمٍ ألزمه الحاكم توفية حقِّها، وإن كان يُسِيْء الغُلُق ويؤذيها ويَضربها بلا سبب، ففي "التتمة" أن الحاكم يَنْهَاهُ عَنْه، فإن عاد عَزَّرَهُ وفي "الشَّامِل" وغيره: أنَّه يسكنهما إلى جنب ثقة يطلع على حالهما ويمنعه من التعدِّي، والكلامان متقاربان،


(١) في ز: أن.
(٢) قال النووي: أصحهما نعم. والأصح من الوجهين في تأديبها، أنه يؤدبها بنفسه؛ لأن في رفعها إلى القاضي مشقة وعاراً وتنكيداً للاستمتاع فيما بعد، وتوحيشاً للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبياً.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>