للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في الكتاب "والرؤية في المَاءِ الصَّافِي رؤيةٌ" يريد به ما إذا كان المرئيُّ في الماء الصافي، فأما النَّظَر في الماء، ورؤية الشخْص فيه كالنظر في المرآة، ولا فَرْق بينهما, وليعلَّم قوله: "في الماء الصافي رؤية" بالواو لما حكينا عن القاضي، لو علَّق الطلاق برؤيتها الهلال أو برؤية نفْسِه فهو محمول على العِلْم، فرؤية غيْر المعلَّق برؤيته كرؤيته، وعلى ذلك حُمِلَ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ" ويقال: رأينا (١) الهلال ببلد كذا، ويراد رؤية بعْض أهل البلد، وتمام العدد كرؤية الهلال، حتى يقع به الطلاق، وإن لم ير الهلال لحائل، حُكِيَ ذلك عن أبي إسحاق، ولو قال المعلِّق أردتُّ بقولي: "إن رأيْتِ أو رأيْتِ" المعاينة قُبلَ قوله في الباطن، وفي الظاهر وجْهان: أشبههما القَبُول أيضاً، والمذكور في "التهذيب" أنه لو كان المعلّق برؤيته أعمى، لمْ يُقْبل التفسير بالمعاينة في الظاهر، ويجيْء على قياس ما ذكرنا فيما إذا قال للعمياء، إنْ رأيْتِ، فلاناً فأنتِ طالقٌ، أن يسوي بين الأعمى والبصير، في قَبُول التفسير بالمعاينة، وبالقبول أجاب الحَنَّاطِيُّ، وحَكَى فيما إذا أطلقَ فلم يُرِدْ شيئاً قوليْن في أنَّه هلْ يَقَعُ الطلاق برؤية الغَيْر وجميع ما ذكَرْنا فيما إذا جرى التعليق برؤية الهلال بالعربية، أمَّا إذا جَرَى بالعجمية، فعن القفَّال: أنَّه يُحْمَل على المعاينة دون العلْم، سواءٌ فيه البصير والأعمَى، وادعى أن العُرْف المذكور لم يُثْبت إلا في العربية، ومَنَع الإِمامُ الفَرْق فيه بين اللغتين.

وفي "التهذيب" وَجْهٌ أنه يحمل في حق الأعمَى على العلم، وإذا أطْلَق التعليق برؤية الهلال، حُمِلَ على أوَّل شَهْر تستقبله حتَّى إذا لم تر في الشهر الأول، ترتفع اليمين، قاله في "التهذيب"، وهذا يخالف القَوْلَ بوقوع الطَّلاَقِ بتمام العدد على ما مَرَّ، ويمكن أن يُحْمَل ذلك على ما إذا صَرَّح بالمعاينة، أو فسر بها، وقبلناه.

قال: والرؤية في اللَّيْلة الثانية والثالثة كهي في الأولى، ولا أثَرَ للرؤْية في الليلة الرابعة، فإنه لا يُسَمَّى هلالاً ثلاث وفي "المُهَذَّب" أنَّه لو لَمْ يرَ حتَّى صار قَمَرًا، لمْ تُطَلَّق بالرؤية بعْده، وحكى وجهين في أنه بم يصير قَمَرًا.

أحدهما: باستدارته.

والثاني: بأن يُبهر ضوءه (٢).

ويعتبر أن تكون الرؤية بعد غُرُوب الشمس، ولا أثر للرؤية، قبله، وقوله في الكتاب "ورؤية غيرها الهلال كرؤيتها" يعني إذا كان التعليق برؤيتها، ويجوز أن يعلَّم


(١) في ز: رأيت.
(٢) قال النووي: هذا المنقول عن "المهذب"، مذكور في "الحاوي"، وفيما تفرع عنه، والمختار ما ذكره البغوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>