للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه أن الوُجُوب مضاف إلى الوقْت، والمعنى الذي هو مَنَاطُ الكفَّارة، ووقت الأداء منتظر، فلا يتبدَّل الوجوب من غَيْر تقدير الأداء.

وقال الأكثرون، منهم القاضي أبو الطيِّب وصاحب "التهذيب": يُعْتَبَر أغْلظُ حالة من وقْت الوجوب إلى الأداء، حتى لو كان معسراً من وقت الوجوب إلى الأداء وأيسر في وقْت ما كان واجِبُهُ الإعتاقَ؛ أخْذاً بالاحتياط.

ولنَعُدْ إلى التفريع؛ إنْ قلْنا: الاعتبار بحالة الوجوب، فلو كان موسرًا يوم الوجوب، ففرضه الإعتاق، وإن أعسر من بَعْدُ، واستحب الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- أن يصوم ليكون آتياً ببعض أنواع الكفَّارة إن اخترمته المنية وإن كان معسراً يومئذ ففرضه الصيام، ولا يلزمه الإعتاق، وإن أيسر من بعْدُ، [إذا أعسر قبل التكفير] لكنه يجزئه؛ لأن الإعتاق واقعٌ في الرتبة العُلْيَا، فإذا أجزأه الأدْنَى، فَلأَنْ يُجْزِئَهُ الأعْلَى، كان أولى، وفي "النهاية" أن صاحب "التقريب" حَكَى وجهاً أنه لا يجزئه إلاَّ الصَّوم؛ لتعينه في ذمته (١)، وإن قلنا: الاعتبار بحالة الأداء، فإن كان موسرًا يومئذ، ففرضه الإعتاق، وإن كان معسرا من قَبْلُ، وإن كان معسرًا، ففرضه الصوم، وإن اعتبرنا الأغلظ، فإن كان موسرًا عند الوجوب أو الأداء، فعليه الإعتاق، وإن كان مُعْسرًا في الحالتين (٢)، وأيسر بينهما، فعلى القولَيْن الأوَّلَيْن، فَرْضُهُ الصَّوْم، ولو أعتق، كان أحبَّ، وكذا الحُكْم على القول الثالث في رواية بعضْهم، وعَلَى ما ذكره الأكثرون: الفَرْض الإعتاق، وإذا كان موسرًا في حالَتَي الوجوب والأداء، وكان معسرًا بينهما، ففرضه الإعتاق على جَمِيع الأقوال، ولو تكلَّف المعْسِرُ الإعتاقَ باستقراض وغَيْره، أجزأه؛ لأنه رَقَى إلى الرتبة العُلْيا، وعن رواية صاحب "التقريب" وجْه أنه لا يجزئه، وقَدْ سبَقَ نظيره، وهذا بعيدٌ عند الأئمة -رحمهم الله-، وقالوا: لو أعتق العَبْد بعْد وجوب الكفَّارة عليه، وأيسر قبل التكفير، هل يجزئه الإعتاق؟ فيه وجهان قريبان، ويقال قولان:

أحدهما: لا؛ لأنه لم يَكُنْ أهلاً للإعتاق يوم وجوب الكفَّارة؛ بناءً على أن العَبْد لا يَمْلِك.

وأصحهما: نعم، وهو المذكور في "التتمة"؛ لأن الإعتاق في الرتبة (٣) العليا، وهذا إذا اعتبرنا حالَةَ الوجوب، أما إذا اعتبرنا حالة الأداء، فهل يلْزَمُه الإعتاق؛ فيه وجهان، أو قولان:

أظهرهما، وبه أجاب إبراهيم المروزيّ وصاحب "التهذيب": -رحمهما الله- نَعَم، كما لو كان معسرًا حينئذ، فأيْسَرَ.


(١) في أ: حقه.
(٢) في أ: الحالين.
(٣) في أ: المرتبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>