للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنا لا نتحقَّق وصول اللَّبن إليه (١)، والخلاف فيما إذا لم يُتحقَّق وصول اللبن، كما إذا وقعَتْ قطرة لبنٍ في جب ماء، وشرب بعضه، فإن تحقَّقنا انتشاره في الخليط وحصول بعضه في المشروب أو كان الباقي في المخْلُوط أقلَّ من قَدْر اللبن، فيُقْطَع بالحرمة. ذكره الإِمام وغيره، وهل يُشْترط أن يكون اللبن قَدْراً يمكن أن يسقى منه خمس دفعات، لو انفرد عن الخليط؟ حكى أبو الفرج السرخسي فيه وجهَيْن، وقال: أظهرهما: الاشتراط.


(١) يشترط في اللبن وصوله، أو وصول ما حصل منه من كل ما يقصد به التغذي، كالجبن، والزبد، والأقط، والقشطة، بخلاف ما لا يتغذى به، كالمصل: وهو الماء الذي يسيل من الجبن، ويعبر عنه عند العامة بمس الحصير إلى معدة الطفل، أو دماغه، إذ المعدة محل لإحالة الغذاء، والدماغ يحيل الدواء، ولحصول التغذي في كل منهما، أما المعدة فتوزع الأغذية على الجسم بواسطة العصارة المعدية التي تفرزها، والتي لها الأثر الفعال في جعل الغذاء صالحاً، كما قال الأطباء حيث عدوها من أعمدة الجهاز الهضمي، وأما الدِّمَاغُ فقد قال صاحب "المُغْنِي": إن الأدهان، كاللبن، وما حصل منه إذا وصلت إليه انتشرت في الجسم بواسطة الْمَسَام، وتغذت يد العروق، فهو طريق للتغذية، فلذلك اكتفي في التحريم بوصول اللبن إليهما، وخرج بالمعدة، والدماغ ما عداهما، فلا يثبت التحريم بتقطير اللبن في الأذن، أو الدبر، أو الإحليل لعدم التغذي، وسواءٌ كان حصوله بالشرب، أو الإيجار؛ بأن يصب اللبن في الفم، فيصل إلى المعدة، أو بالإسباط بأن يصب اللبن بالأنف، فيصل إلى الدماغ بخلاف وصوله عن طريق الأذن والعين؛ لأن اللبن لا يصل إلى المعدة ولاَ إلى الدماغ عن طريقهما؛ لأنهما غير منفتحتين، نعم لو انفتحتا، ووصل اللبن إلى المعدة أو الدماغ حرّم، وهذا لو كان وصوله عن طريق جراحة، وسواءٌ كان اللبن علي حالته الأصلية من عدم التغير، أو كان متغيراً بحموضة مثلاً، وسواءٌ استقر اللبن دواماً أو تقيّأه بعد الاستقرار، أما لو وصل بحقنة فهو غير محرم باتفاق الأئمة الثلاثة؛ وهو الأظهر من قولي الشَّافعي.
القول الثاني له: إنه يحرم؛ وذلك لأَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرَّضَاعُ مَا أَثْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ العَظْمَ"، وهذا منتفيان بالاحتقان؛ لأنه لإسهال ما انعقد في الأمعاء، والقول المخالِف للأظهر لِلْمَزَنِيِّ، ومحمد بن الحسن، ودليل هذا القول القياس على ثبوت الإفطار بالحقنة للصائم بجامع أن كُلاًّ واصل إلى الجوف، ورُدّ هذا بإبداء الفارق وهو أن المدار في الإفطار إنما هو لمجرد وصول أي شيء إلى الجوف، ولو غير مغذي، وأما المدار في الرضاع هو إثبات اللحم، وإنشاز العظم، وهما منتفيان في الاحتقان فافترقا.
ويشترط في اللبن أن يكون من ثدي المرأة؛ لأنه المحل المعتاد لخروج اللبن، أو ما يقوم مقام الثدي من منفتح في محله المعتاد، ولو على غير صورته، أو في محل آخر يمكن خروج اللبن منه، ويكون على صورة الثدي، فلو خرج اللبن منه وهو في محله المعتاد حرّم قياساً على نقض الطهارة بمس الذكر ببطن أصبع زائد مسامت للأصل، وقياساً على الآلة المنفتحة في النقض بالخارج منها وعدمه، ولو ارتضع طفلان من ثدي في غير محله الذي لا يمكن خروج اللبن منه فلا حرمة بينهما كما لو ارتضعا من غيره، ولو قطع ثدي من امرأة حية، وبه لبن شربه طفلان على خمس مرات، أو مرة مكملة لهم قبل القطع، أو شرب منه أحدهما قبل القطع، والآخر بعده حرّم ذلك اللبن؛ لأن الثدي صار كالوعاء له، وقد انفصل منها وهي حية.

<<  <  ج: ص:  >  >>