للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأجيب بأن المراد بقولها -رضي الله تعالى عنها- فتوفي .... الخ أن النسخ قد تأخر إنزاله إلى قرب وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى إن من لم يبلغه النسخ لقرب عهده بالإسلام أو بعد داره كان يقرؤها، فلما بلغه رجع فصار إجماعاً على أنه لا يتلى فلا نسخ بعد زمنه -صلى الله عليه وسلم-.
الوجه الخامس: من أوجه الاعتراض على الدليل:
أن الاستدلال بهذا يؤدي إلى اثبات النسخ بخبر الواحد، وهو لا يثبت إلا بالتواتر؛ وأجيب بأنه ليس بنسخ يخبر الواحد إنما هو نقل نسخ به وشتان بينهما.
الوجه السادس: قالت سيدتنا عائشة -رضي الله تعالى عنها-: "كان تحريم الرضاع في صحيفة، فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تشاغلنا بغسله فدخل داجن الحي فأكلها" فلو كان قرآناً لكان محفوظاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
أجاب الماوردي بما حاصله أن داجن الحي كل الصحيفة التي فيها رضاع الكبير، وهو منسوخ، ولم يأكل ما يدل على العدد، ولئن سلمنا ذلك فيكفي الحفظ في الصدور، وقد وهبهم الله تعالى حافظة قوية قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا جِيلُ أُمَّتِي في صُدُوْرِهَا" على أن المعتبر حفظ الحكم وهو محفوظ منقول إلينا.
الدليل الثاني:
"عن أم المؤمنين -سيدتنا عائشة، -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر امرأة أبي حذيفة، فأرضعت سالماً خمس رضعات، وكان يدخل عليها بتلك الرضاعة" رواه أحمد. وفي رواية أن أبا حذيفة تبنى سالماً، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كلما تبنى النبي -صلى الله عليه وسلم- زيداً، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس ابنه وورث ميراثه حتى أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فردوا إلى آبائهم، فمن لم يُعلمْ له أَبٌ فمولى، وأخ في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل فقالت: يا رسول الله كنا نرى سالماً ولداً، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة، ويراني فضلى، وقد أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيهم ما قد علمت. فقال: "أَرْضِعِيْه خمْسَ رَضْعَاتٍ" فكان بمنزلة ولده من الرضاعة. رواه في الموطأ، وأحمد. فإذا صريح في ربط التحريم بالخمس، إذ لو كان الأقل كافياً لما كان لذكر الخمس فائدة، خصوصاً وأن إرضاع سهلة لضرورة والضرورة تقدر بقدرها.
اعترض الثاني للعدد هذا الدليل بقوله: هذا لدليل لتحريم رضاعة الكبير، وهو منسوخ فلا يتمسك به في إثبات العدد لغير لكبير. وأجيب بأن الحديث قد اشتمل على حكمين: رضاعة الكبير: وإثبات العدد، ونسخ أحد الحكمين لا يستلزم نسخ الآخر لاشتماله على المصلحة، ونظير هذا قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} فقد اشتملت هذه الآية على حكمين: العدد المثبت للزنا، وحده، وهو الإمساك في البيوت، وقد نسخ هذا الأخير مع بقاء الأول.
وأجيب أيضاً: بأن رضاع الكبير لم ينسخ، بل هو غير محرم لعدم سببه ومقتضيه، وذلك لأن رضاع الكبير إنما حرم بسبب سبق التبني المباح، فلما حرم التبني، وفسخ الله حكمه بقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} ... الآية سقط ما تعلَّق به من تحريم رضاع الكبير. ولهذا نظائر منها فسخ =

<<  <  ج: ص:  >  >>