للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْها القوافل من تلْك البلدة في العادة؛ ليُطْلَب، وينادى باسمه، فإن لَمْ يَظْهَر، فَرَضَ الحاكِمُ نفَقَتَها من مَالِهِ الحاضر وأخذ منْها كَفيلاً (١) بما يُصْرَف إلَيْها؛ لأنَّه لا يُؤْمَن أن تظهر وفاته أو طَلاَقُه، ومن الأصحاب من لم يتَعرَّض للرَّفْع إلى القاضي، ولا لكتابه، وقال: تجب النفقة من حين يصل الخبر إليه، ويمضي زمان إمكان القدوم عليها وهكذا أورده صاحب "التهذيب"، ولو لم تَعْرِضِ المرأةُ نفْسَها على الزوج الحاضر أو الغائب، ولا بَعَثَت إليه فلا نَفَقَةَ لها، وإن طالت المدة، إذا فرَّعْنا على أن النفقة تجب بالتمكين.

وغَيْبَةُ الزوْج بعد التسليم، لا تُؤَثِّر ما دامت مقيمة على طاعته وإن طالت المدة، [وهذا] كله فيما إذا كانت المرأة عاقلةً بالغةً، فأما المراهِقَةُ والمجنونة، فلا اعتبار بعَرْضِها وبذلها الطاعة، وإنَّما الاعتبار في حقِّهما بعرض الوَليِّ وبذله ولَو سلَّمت المراهِقَةُ نفْسَها، وتسلَّمها الزَّوْج، وَنَقَلَها إلى دَارِهِ، وجَبَت النفقَةُ وكذا لو سَلَّمت المرأة نفْسَها إلى الزَّوْج المراهِقِ بغير إذْن الوَليِّ وجبت النفقة بخلاف تسليم المبيع إلى المراهق؛ لأن المقصود هناك أن تصير اليد للمشتري، واليد في عقد المراهق للوَلِيِّ لا لَهُ، والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَوَانِعُ النَّفَقَةِ أَرْبَعَةٌ: المَانِعُ الأَوَّلُ: النُّشُوزُ وَمَنْعُ الوَطْءِ وَالاسْتِمْتَاعِ نُشُوزٌ، وَالخُرُوجُ بِغَيرِ إِذْنِهِ نُشُوزٌ، وَالخُرُوجُ فِي بَعْضِ اليَوْمِ يُسْقِطُ بَعْضَ النَّفَقَةَ عَلَى وَجْهٍ، وَجَمِيعَهَا عَلَى وَجْهٍ، وَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِلرَّتْقَاءِ وَالمَرِيضَةِ وَالمَجْنُونَةِ فَإِنَّ هَذِهِ أَعْذَارٌ دَائِمَةٌ، وَتَسْقُطُ بِنُشُوزِ المَجْنُونَةِ، وَلَوْ خَرَجَتْ فِي حَاجَةِ الزَّوْجِ بِإِذْنِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ خَرَجَتْ فِي حَاجَةِ نَفْسِهَا فَقَوْلاَنِ، وَإذَا امْتَنَعَتْ عَنِ الزِّفَافِ بِغَيْرِ عُذْر فَنَاشِزَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ مَرِيضَةَ يَضُرُّ بِهَا الوَطْءُ فَمَعْذُورَةٌ، وَلاَ يؤْتَمَنُ الرَّجُلُ فِي قَوْلِهِ: لاَ أَطَؤُهَا، وَإِنْ أَنْكَرَ كَوْنَ الوَطْءِ مُضِرّاً ثَبَتَ بِقَوْلِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَهَلْ يَثْبُتُ بِقَوْلِ وَاحِدَةٍ؟ فِيهِ خِلاَفٌ، وَلَوْ نَشَزَتْ بِالخُرُوجِ عَنِ المَسْكَنِ فَنَابَ الزَّوْجُ فَعَادَتْ لَمْ تَعُدُ النَّفَقَةُ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ حَتَّى يَقْضِيَ القَاضِي بِطَاعَتِهَا أَوْ يَرْجِعَ الزَّوْجُ أَوْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ اِمْكَانِ الرُّجُوعِ، وَإذَا سَقَطَ نَفَقَتُهَا بِرِدَّتِهَا عَادَتْ بِمُجَرَّد إِسْلاَمِهَا دُونَ قَضَاءِ القَاضِي عَلَى أَفْقَهِ الطَّريقَيْنِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا نفقة للزوجة الناشز لأن النفقة وجَبَت لكَوْنها معطلة المنافع؛


(١) استشكل أخذ الحاكم الكفيل فإن المذكور في باب القضاء على الغائب أنه لا يؤخذ من المدعي كفيل، وأجاب الشيخ جلال الدين البلقيني فقال: هذا لا يخالف المذكور في القضاء على الغائب من أن الأصح أنه لا يأخذ من صاحب الدين كفيلاً لأن الدين هناك ثابت، وإنما يحتمل الدافع، وأما هنا فالدين معرض للسقوط، وقضيته أن يجري في كل دين يكون كذلك كثمن مبيع ادعى به على غائب في زمن خيار شرط ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>