للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للجويني: نقلُ وجهٍ عن أبي إسحاق أن الشَّلاء لا تُقْطع بالصحيحة مطلقاً؛ لأن الشرْع لم يَرِدْ بالقصاص فيها، والمشْهُور أنه يراجع أهل البصر، فإن قالوا: إنَّها لو قُطِعت، لم ينسد فمُ العروق بالحَسْم، ولم يَنْقَطِع الدمُ، فلا يُقْطَع بها؛ لِمَا فيه من استيفاء النفْس بالطَّرَف، وللمجنىِّ عليه الديةُ وإن قالوا: ينقطع، فله قطْعها، ويقع قصاصاً، كقتل الذمىِّ بالمسلم، والعبْدِ بالحر، وليس له أن يَطْلُبَ بسبب الشَّلَل أرْشاً، وَوُجِّهَ ذلك بأن الصحيحة والشَّلَاء متساويتان في الحرمة، والاختلاف بينهما في الصفة والصفة المجرَّدة لا تقابل بالمال، ولذلك إذا قُتِل الذميُّ بالمسلمِ، والعبدُ بالحرِّ، لم يجب لفضيلة الإِسلام والحرية شيْءٌ، وشبه أيضاً بما إذا تعيب العبد في يد البائع، فإن للمشتري إما أن يردَّه ويستردَّ الثمن، أو يرضى به بجميع الثمن، وليس له أن يُمْسِكَ، ويستردَّ بعض الثمن.

وهل تُقْطع الشلاءُ بالشَّلاء في "المهذب" وجّةٌ عن أبي إسحاق أنَّها لا تُقْطع بها لأن الشَّلَلَ علةٌ والعِلَل تختلِفُ مقاديرُها وتأثيرُها في البدن، فلا تتحقَّق المماثلة ويحكى مثْلُه عن أبي حنيفة، والمشْهور أنَّهما إن استويا في الشَّلَل، أو كان الشَّلَل في يدِ المقطوع أكثرَ، فتقطع بها، والشرط أن لا يخاف نزْفُ الدم، على ما ذكَرْنا وإنْ كان الشَّلل في يد المقطوع أكثرَ، فلا يُقْطَع بها، قال الإِمام: لأن تفاوتهما في الشلل يوجب التفاوُتَ في البدل، فلا تتحقق المقابلة، ويحكى مثله عن أبي حنيفة، والمشْهُور أنه إذا اختلفت نسبةُ الطرفَين إلى الجُمْلَتَيْنِ، لم يجب القصاص، وما المراد من الشلل في اليد والرجل؟ عن الشيخ أبي محمد: أن الشلَل زوالُ الحسِّ والحركةِ، ولذلك تُسمَّى اليدُ الشلاءُ ميِّتةً، وقال الإِمام: لا يُشْترط زوال الحسِّ بالكلية، وليست الشلاءُ ميتةً؛ ألا ترى أنَّها لا تنتن، وإنما الشلَلُ بطلانُ العمَلِ حتى تصير اليدُ بحيث لو أعمَلَها صاحبُها كان كإعمال ألةٌ من الآلات.

ولا أثر للتفاوت في البطش بل تُقْطَع يد الأيْد بيد الشيخ الذي ضَعُفَ بطشُه، لكن لو كان النقصانُ بجناية؛ بأن ضرب إنسان على يده، فنقص بطشه، وألزمناه الحكومة، ثم قَطَع تلْكَ اليَدَ رَجُلٌ كاملُ البطش، فقد حكى الإِمام أنه لا يُقْطَع يده بها؛ وأنه لا تجب عليه ديةٌ كاملةٌ على الأصح، وهذا كما مرَّ أن من صار إلى حالة المحتضرين وحَزَّ حازٌّ رقبته، يلزمه القصاص، بخلاف ما لو انتهَى إلى تلْك الحالةِ بجنايةِ جان [فلا قصاص على حازه].

وتقطع يد السليمِ ورِجْلُه بيد الأعسم، ورِجْل الأعرج؛ لأنه لا خَلَل في اليد والرِّجل، والعسم تشنج في المرْفق، أو قِصَر في الساعد أو العَضُد، وقيس به العَرَجَ.

ولا اعتبار باخضرار الأظفار، واسودادها، وزوال نضاَرَيها، فإن هذه الأحوال علَّةٌ ومرضٌ في الظفر، والطرف السليمُ يستوفى بالعليل، وأما التي لا أظفارَ لها، فالَّذي ذكره أصحابنا العراقيُّون وغيرهم: أنه لا تُقْطع بها السليمةُ الأظفار وأنَّها تُقْطَع بالسليمةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>