للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر المتولِّي تفريعاً على الخلافِ في أنَّ الحروف الشفويَّة، هل تدخلُ في التوزيع؛ أنَّه لو ضرب شفَتَيْهِ، فأذهب الحروفَ الشفويةَ، أو رقبته، فأذهب الحروفَ الحلقية، فإن وزَّعنا على جميع الحروف، وجب قسْطُ الذاهب، وعلى ما ذكره الاصطخريُّ لا يجب إلاَّ الحكومة، وفي كتاب القاضي ابْنِ كَجٍّ، أنه لو قطع شفتيه، فأذهب الباء والميم، فعن أبي سعيد الإصطخريِّ؛ أنه يجب مع دية الشفتينِ أرشُ الحرفين، وأن ابنَ الوكيلِ، سُئِلَ عنه، فقال: لا يجبُ إلاَّ الديةُ؛ كما أنه لو قطع لسانه، وذهب كلامه، لا يجب إلاَّ الدية.

ولو جنَى على لسانِهِ، فصار يبدلُ حرفاً بحرف، وجب قسط الحرف الذي أبطله، ولا يصير الآخر بدلاً، فإنه أيضًا أحد الحروف المقصودة، ولو ثقل لسانه بالجناية، أو حدثت في كلامه عَجَلة أو تمتمة أوْ فأفأة، وجبت الحكومةُ دون الديةِ؛ لبقاء المنفعة، وكذا لو كان ألثغَ، وزادت لثغتُهُ.

وقوله في الكتاب: "وإن بقي في اللِّسان فائدةُ الذوقِ والحروفِ الشفويةِ والحلقيةِ" فيه تصريحٌ بأن الذوْقَ في اللسان، وهو المشهور، وفي "التتمة" أنَّ الذوقَ في طَرَف الحَلْق، ثم وجوبُ الدية بإبطال النطْقِ، وإن بقي الذوق لا شبهة فيه، فأما وجوبها بكمالها، وإن بقيت الحروفُ الشفويةُ والحلقيةُ، فقد ذكره ههنا، وفي "الوسيط"، وعلَّل هناك بأنَّ الذي بَطَل جزءٌ مقصودٌ برأسه، وهذا لم أجدْ له تعرُّضاً لسائر الأصحاب، وهو مناقض لما ذكره مِنْ بعد، وهو أنه يجبُ في بعض الكلام بعضُ الدية، ويوزَّع على جميع الحروفِ من الشفويَّة وغيرها، وإنما يستمرُّ ذلك على طريقة الإصطخريِّ على ما تبِّين.

وقوله: "وتدخُلُ الشفويةُ والحلقيةُ في التَّوْزيع" مُعْلَم بالواو، ويجوز إعلامه بالميم؛ لما سبق.

قال الغَزَالِيُّ: وَلوْ كانَ لا يُحْسِنُ بَعْضَ الحُرُوفِ فَهَلْ يَنْقُصُ الدِّيَةِ أَوْ هُوَ كَضَعْفِ القُوَي فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ بِجَنَايةِ فَوجْهَانِ مُرَتَّبانِ وَأَوْلَى بِالتَّنْقِيصِ، وَضَعْفُ سائِرِ المَنَافِعِ الَّتى لا تَتَقَدَّرُ مِثْلُ الحُرُوفِ، وَإِنْ كَانَ بِآفِةٍ لَمْ تنقُصْ، وَإِنْ كَانَ بِجِنايَةٍ فَوَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا لم يُحْسِنِ الرجلُ بعض الحروف؛ كالأرثِّ والألْثَغ الذي لا يتكلَّم إلاَّ بعشرين حرفاً مثلاً، هَل يجبُ في إبطال كلامه كلُّ (١) الدية؟ فيه وجهان (٢):

أصحُّهما: نعم، وهذا ما أورده صاحبُ "التهذيب"، ووجهه أنَّ هذا الشخْصَ ناطقٌ، وله كلام مفهومٌ إلاَّ أنَّ في منطقه ضعفاً، وضعف منفعة العضو لا يقدح في


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>