للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكُومَةٌ لأنَّهَا عَارِضَةٌ، وَإِبْطَالُ الالْتِذَاذِ بِالجِمَاعِ أَوْ بِالطَّعَامِ إِنْ أَمْكَنَ فِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَكَذَا لَوِ ارْتَتَقَ مَنْفَذُ الطَّعَامِ بِجِنَايَةٍ عَلَى عُنُقِهِ وَبَقِيَ مَعَهُ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَحَزّ غَيْرِهِ رَقَبَتَهُ فَكَمَالُ الدِّيَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا جنى عَلَى إنسان، فكَسِرَ صُلْبَهُ، وأبطل قوَّة إمنائِهِ، وجب عليه الديةُ؛ لأن الماء مقصودٌ للنَّسْل، ولو قطع أنثييه، فذهب ماؤُه، لزمه دية الأُنْثَيَيْنِ، وديةٌ لذهاب الماء، وكذا لو أبطلِ مِنَ المرأة فوقَ الإحْبَالِ، وجب عليه ديتُها، ولو جنى على ثَدْيها، فانقطع لبنُها، فعليه الحكومةُ، فإن انتقص، أخذت حكومة ما يليق به، وإن لم يكن لها لبنٌ عنْد الجنايةِ، ثم ولدت، ولم يدرَّ لها لبنٌ، وامتنع لذلك الإِرضاع، وجبت الحكومة، إذا قال أهل البَصَر: إن الانقطاع بسببِ الجنايةِ، أو جوَّزوا أن يكون بسببها، وفُرِّق بين إبطال الإرضاع وإبطالِ الامناءِ؛ حيث أوجب الدية؛ بأن استعدادَ الطبيعةِ للمَنِيِّ صفةٌ لازمةٌ للفُحُولِ، والإرضاع شيء يطرأ ويزول، هذا هو المشهور، وعن الإِمام احتمالُ أنه يجبُ الدية بإبطال منفعةِ الإرضاع، ولو جنى على صُلْبه، فذهب جِماعُهُ، لزمه الدية؛ لأن المجامعة من أصول المَنَافع، وورد الأثر فيه عن أبي بَكْرٍ وعمر وعليٍّ (١) -رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ أجمعين (٢) -.

ولو ادعَى المجنُّى عليه ذَهَابَهُ، وأنكر الجاني، صُدَّق المجنيُّ عليه بيمينه؛ لأنه لا يُعْرَفُ إلاَّ منه، كما إذا قالت المرأة: حِضْتُ، إلا أن يقول أهلُ البَصَر: إنه لا يمكن أن يذْهَب الجماعُ من هذه الجناية.

واعلَمْ أنهم صوَّروا صورة ذهابِ الجماعِ بهذه فيما إذا لم ينقطع ماؤه، وبقى ذكره (٣) سليماً، وذكروا أنه لو كسر صُلْبه، وأشلَّ ذكره، فعليه ديةُ الذَّكَر، وحكومةٌ لكسر الصلب، وإن كان الذكرُ سليماً، كان الشخص قادراً على الجماع حسّاً؛ فأشعر ذلك بأنهم أرادوا بذهاب الجماعِ بطلانَ الالتذاذِ به والرغبةِ فيه، وكذلك صوَّر الإِمام وصاحبُ الكتاب في إبطال شَهْوة الجماعِ على أنَّ الإِمام استبعد ذهابَ الشَّهْوة مع بقاء المنَّي، ثم قال: "إنْ أمكنَ ذلكَ، فيجب أن يُقَالَ: إذا ذهب بالجنايةِ شَهْوته للطَّعام، تجب الدية بطريق الأَوْلَى، إنْ صح تصورُّه (٤) وأُدْرِكَ تأثير الجناية فيه.

ولو جنَى على عنقه، فلم يمكنه ابتلاعُ الطعام إلاَّ بمشقَّة لالتواء العُنُق، أو غيره، فعليه الحكومة، ولو لم ينفذ الطعامُ والشرابُ أصلاً، لارتتاق المنفذ، فلا يعيش المجنيُّ عليه، والحالة هذه، ولم تزد طائفةٌ من النَّقَلَةَ على أنه ساغ الطعامَ والشرابَ، فذاك،


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: عنهما.
(٣) في ز: ذلك.
(٤) في ز: تصويره.

<<  <  ج: ص:  >  >>