للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: السابعةُ من مسائل الاصْطِدَامِ؛ إذا اصطدَمَتْ سفينتان، وغرقتا بما فيهما، فأما أنْ يحصُلَ الاصطدامُ بفعلهما، أو لا يحصل (١) بفعلهما، فهما قسمان.

القسم الأول: أن يحصلَ الاصطدامُ بفعلهما، فيُنْظَر؛ إنْ كانت السفينتانِ، وما فيهما مِلْك المَلاَّحَيْنِ المجريَيْنِ لهما، فنصفُ قيمة كلِّ سفينة وما فيها مُهْدَرٌ، ونصفُ قيمتها وقيمةِ ما فيها على صاحب السفينة الأُخْرَى؛ لأنهما أتلفاهما، وما فيهما بالشركة، فإنْ هلك الملاَّحَانِ أيضاً، فهما كالفارسَيْنِ يموتان بالاصطدام (٢)، وإنْ كانت السفينتانِ لهما، وحملا الأموال والأنفس؛ إمَّا تبرعاً، أو بأجرةٍ، فينظر؛ إن تعمدا الاصطدامَ بما يعدُّه أهل الخبرة مُفْضِياً إلى الهلاك، تعلَّق بفعلهما القصاصُ؛ حتَّى إذا كان في كلِّ سفينة عَشَرَةُ رجالٍ يُقْرَعُ بينهم لموتهم معاً، فمن خرجت له القُرْعةُ قُتِلَ به المَّلاحَانِ، وفي مالِ كلِّ واحد منهما نصفُ ديات الباقِينَ، فيكون على كلِّ واحد تسْعُ دياتٍ، ونصْفٌ، وعلى كل واحد منهما كفاراتٌ بعدد من في السفينَتَيْن مِن الأحرار والعَبِيد، وعلَى كلِّ واحد منهما نصفُ قيمة ما في السفينَتَيْن من الأموال لا يهدر منْها شيء، ونصفُ قيمة السفينة الأخرَى، ويهدَرُ نصفها؛ كما تقدَّم، ويجري التقاص في القدْرِ الذي يشتركان فيه، وإن تعمَّدا الاصطدام، فكان ما تعمدانه مما لا يُفْضِي إلى الهلاكِ غالباً، وقد يفضي إليه، فهذا شبْه عمدٍ، والحكُمْ كما بيَّنا إلاَّ أنَّه لا يتعلَّق به القصاصُ، وتكون الديةُ على العاقلةِ مغلَّظة.

وإن لم يتعمَّدا الاصطدام، ولكن ظنَّا أنهما يجريان علَى الرِّيح، فَأَخْطَأَ، أوْ لَمْ يعلَمْ واحدٌ منهما أن سفينته بقرب سفينة أخرى، فتكون الدية على العاقلة مخفَّفة.

وإن كانت السفينتانِ لغير الملاَّحَيْنِ، وكانا أجِيرَيْن للمالكَيْنِ، أو أمينَيْن، لم يسقط شيء من ضمان السفينتَيْن، بل علَى كل واحد منهما نصفُ قيمة كلِّ سفينة، وكلُّ واحدٍ من المالكَيْنِ بالخيارِ بَيْن أن يأخذ جميعَ قيمة سفينته من أمينه، ثم هو يرجعُ بنصفها على أمين الآخر، وبين أن يأخذ نصْفَها منه، والنصف من أمين الآخر، ولو كان المُجْرِيَانِ عبدَيْن، فالضمانُ الواجبُ يتعلَّق برقبتهما.

والقسم الثاني: أن يحصل الاصطدامُ لا بفعلهما؛ فإنْ وجد منهما تقصيرٌ؛ بأن توانيا في الضبط، ولم يعْدِلا بهما عن صَوْب الاصطدام، مع إمكانه، أو سَيَّرا في ريح شديدة لا تَسِيرُ في مثلها السفن، أو لم يكملا عدَّتَهما من الرجال والآلات، وجب


(١) سقط في ز.
(٢) لكن يتخالفان في أن الدية في الفارسين على عاقلتهما كما نص عليه في الأم وههنا تكون نصف دية كل واحد في تركة الآخر والفرق أن هذا عمد واصطدام الفارسين خطأ أو شبه عمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>