للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي الفرج السَّرَخْسِيِّ أن هذا مَذْهَبُ مالك (١).

والقول الثاني: أنه لا يَجِبُ هاهنا أيضاً إلا الأقل من القيمة، وموجب الجنايتين ولا يَتَكَرَّرُ الفِدَاءُ؛ لأنه إنما أَوْجَبنَا الفِدَاءَ؛ تَنْزِيلاً للاسْتِيلاَدِ مَنزِلَةَ الإِتلاَفِ، والمنع من البيع وإتلاف الشيء لا يُوجِبُ إلا قِيمَةً وَاحِدَةً.

وبهذا قال أبو حَنيفَةَ، ورجح صاحب "التهذيب" القول الأَوَّلَ، وهو وجوب الفِدَاءِ للجناية الثانية، لكنَّ مَيْلَ الأكثرين إلى تَرْجِيحِ الثاني، وقد أَفْصَحَ به الشيخ أبو إِسْحَاقَ الشيرازي والقاضي الروياني وغيرهم.

وإذا قلنا به، فَيُشَارِكُ المجْنِي عليه ثَانياً المَجْنِي عليه الأَوَّل فيما أَخَذَهُ، ويقسم حمله الوَاجِبِ بينهما (٢) على ما يَقْتَضِيهِ الحَالُ.

مثاله: قيمة المُسْتَوْلَدَةِ أَلْفٌ، وأَرْشُ كل جِنَايَةٍ أَلْفٌ، وأخذ المجني عليه الأول القِيمَةَ، يرجع الثاني عليه بخمسمائة، ولو كانت القيمة كذلك، وأَرْشُ الجناية الأُولى أَلْفٌ، وأرْشُ الثانية خمسمائة، فيرجع المَجْنِي عليه ثانياً على الأولى بِثُلُثِ الألف، ولو كانت القيمة كذلك، وأَرْش الثانية أَلْفٌ، وأرش الأولى خمسمائة، وهو الذي أخَذَهُ الأول، فَيَأْخُذُ الثاني من السَّيَّدِ بَقِيَّةَ القيمة خمسمائة، ويرجع على الأول بثلث ما أخذ؛ لتصير القِيمَةُ بينهما أَثْلاَثاً، وقد يعكس تَرْتِيب الحالتين، فيقال: إن تَخَلَّلَ الفِدَاءُ، فهل يَتَجَدَّدُ؟ فيه قولان، وإن لم يَتَخَلَّلْ، فقولان مُرَتَّبَانِ، وأوْلَى بألاَّ يَتَعَدَّدَ، والمقصود لا يَخْتَلِفُ.

ويجوز ألا نفصل ونطلق في المسألة ثَلاَثَةَ أقوال:

ثالثها: يفرق بين أن يَتَخَلَّلَ الفِدَاءُ، فيلزمه فِدَاءٌ آخر، أو لا يَتَخَلَّلُ، فيكفي فِدَاءٌ وَاحِدٌ. وفي شرح الجُوَيْنِيَّ للموفق بن طَاهِرِ حِكَايَةُ طريقين في موضع الخلاف عند تَخَلُّلِ الفِدَاءِ. فعن بعضهم أن الخِلاَفَ فيما إذا دفع الفداء بنفسه إلى المجني عليه الأول. أما إذا دفع بِقَضَاءِ القاضي، فيقطع بأنه لا يَلزَمُهُ شَيْءٌ آخر.

وعن ابن أبي هُرَيْرَةَ أنه لا فَرْقَ، ويجري الخِلاَفُ المذكور في الجِنَايَةِ الثالثة والرابعة، لا إلى نهاية.

ومهما زَادَتِ الجِنَايَةُ زاد الاستِرْدَادُ، وشُبِّهَ ذلك بما إذا قُسَّمَتْ تَرِكَةُ إنسان على غُرَمَائِهِ وَوَرَثَتِهِ، وكان قد حَفَرَ بئر عدوان، فهلك بَهِيمَةٌ أو إِنْسَانٌ بها، يزاحم المَجْنِي عليه الغُرَمَاءَ والوَرَثَةَ، ويستردُّ منهم حِصَّتَهُ، فلو هلك آخر زاد الاسْتِرْدَادُ.


(١) في ز: أكثر من قيمة المستولدة.
(٢) في ز: منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>