للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وامتناع؛ لقلة عددَهِم، فلزمهم ضمان ما أتْلَفوا منْ نفْس، ومال، وإن كان على صورة القتال. أما إذا لم يكن في قتال، فكما ذكَرْنا في الباغين.

وأما إذا أتْلَفُوا في قتال، فحكمهم حكْم قُطَّاع الطريق، ولو أسقطْنا الضمان، لم تعجز كل شِرْذِمَة تريد إتْلاف نفْسِ أو مالٍ أن تُبْدِيَ تأويلاً، وتَفْعَل من الفساد ما تشاء، وفي ذلك إبطال (١) السياسات، وهذا ظاهرٌ، سِيَمَا إذا لم يكن قتالٌ، لكن احتج الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- له بأن قال: قتل ابْنُ مُلْجَم عليّاً -كرم الله وجهه ورضي الله عنه- متأولاً، فأمر بحبْسه، وقال: "إنْ قتلتم، فَلَا تُمَثِّلُوا بهِ" ورأى عليه القتل، وقتله الحسنُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وفي الناس بقية من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فما أنكر قتلَه، ولا عاتبه (٢) أحد، وأراد بقوله "قتله متأولاً أنه قتله زاعماً أن له شبهة وتأويلاً، وحكي أن تأويله أن امرأة من الخوارج تسمَّى قَطَامٍ، خطبها ابن مُلْجَمٍ، وكان علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قتل أباهَا في جُمْلة الخوارج، فوكلته بالقصاص، وهمَا يزعمان أن عليْه قصاصاً، وأن الواحد في الورثة ينْفَرِد بالاقتصاص وشرطتْ علَيْه مع ذلك ثلاثة آلاف درهم وعبداً وقينة لتحببن في ذلك.

وفي ذلك قيل:

فَلْم أَرَ مَهراً سَاقَهُ ذُو سَماحةٍ ... كمهر قَطَام من فصيح وأعجم

ثلاثةُ آلافٍ وعبدٌ وقينةٌ ... وقتل علي بالحسام المصمصم

وأما الذين لهم كثرة وشوكة ولا تأويلَ لهم، ففي ضمان ما أتلفوا في القتال طريقان:

أحدهما: القطْع بوجوبه؛ لأنهم ليْسوا بأهل البغْيِ، كالذين لهم التأويل دُونَ الشوْكة.

وأظهرهما: طرْد القولَيْن المذكورَيْن في الباغين؛ لأن المعْنَى المعتمد هناك ترغيبُهُم في الطاعة ليجتمع الشمل وتندفع الفتَن وهذا المعنَى موجودٌ في أصحاب الشوكة، وإن لم يكن لهم تأويلٌ، والقولان المذكوران في أنَّ أهل البغْي، هل يضمنون جاريانِ في المرتدين، إذا كانت لهم شوكةٌ، وأتلفوا في القتال مالاً أو نفساً، ثم تابوا، وأسلموا؟ والظاهر نفْيُ الضمان عند بعضهم، وفي "التهذيب" أن الأصحَّ الوجوب، وهو اختيار المزنيِّ؛ لأن المرتدين جنوا على الإسلام بتأويل غير معتَبَرٍ (٣)، ولذلك لا ينفذ قضاء قاضيهم، وقد يُرَتَّب الخلاف في المرتدين على الخلاف في الباغين، وفي كيفية التَّرْتيب افتراق رأْي؛ فقائِلٌ يقولُ: إن أوجبنا الضمانَ على الباغي، فالمرتد أولَى


(١) في ز: بطلان.
(٢) في ز: عابه.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>