للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالزنا، وأنكر، لا يُحَدُّ؛ لأن الإقرار بالزنا يقْبلُ الرجوع، فيُجْعل إنكاره رجوعاً، ولا يَسْقُط القتل عن المرتد، بقوله رجعت ولا يقبل الإنكارُ والتَّكْذيب، ولو قال: كنْتُ مُكْرَهاً فيما أتيتُ به، نُظِر؛ إن كانت قرائنُ الأحوال تَشْهد [وله] (١) بأن كان في أسْر الكفار، أو كان محفوفاً بجماعة منْهم، وهو مستَشْعِرٌ (٢)، صُدِّقَ بيمينه، وإنما حَلَف؛ لاحتمال كونه مختاراً، قال صاحب "البيان" وغيره: وكذا الحكْم، لو قامت بينة على إقْراره بالبيع وغيره، وكان مقيّداً أو محبوساً، فقال: كنت مكرهاً، وإن لم تشْهَد القرائن بصدقه؛ بأن كان في دار الإسلام، لم يُقْبل قولُه، وأُجْرِيَ عليه أحكام المرتدِّين، وكذا لو كان في دار الحرْب، وهو مخلّى آمن، ولو لم يقل الشاهدان: إنه ارتدَّ، ولكن شَهِدَا أنه تلفَّظ بكلمة الرِّدَّةِ، فقال: صدَقَا، ولكني كنت مكرهاً، فالذي حُكِيَ عن الشيخ أبي محمَّد، وتوبع عليه: أنه يُقْبَل قوله؛ لأنه ليس فيه تكذيبُ الشاهِدِ بخلاف ما إذا شَهِد بالردَّة، فإن الإكراه ينافي الردَّة، ولا ينافي التلفُّظ بكلمة الرِّدَّةِ، ثم قال الشيخ: الحزم أن يُجدِّد كلمة الإسلام، ولو قُتِل قَبْلَ التجْديد، فهل يكون قتْلهُ مضْموناً لأن الردة لم تثبت والأصل استمرار حُكْم الإسلام أو لا يكون مضموناً؛ لأن لفظ الردَّة [قد] (٣) ثبت، والأصلُ في الناس الاختيارُ؟ فيه قولان، وموضع القولَيْنِ على ما ذكر الإِمام؛ ما إذا لم يَدَّعِ الإكراه، أو لم يَحْلِف عليه، أما إذا ادعاه، وحلَف عليه، فقد ثبت الإكراه بالحجة، فيقطع بأنه مضْمون، واعلم أن فيما سقناه دلالةً [بينة] على أنَّه إذا شهد الشهودُ بالردة على الأسير، ولم يدَّع أنه كان مكرهاً، يُحْكَم بردته، ويؤيده ما حُكِي عن القفَّال: أنه لو ارتد الأسير في أيدي (٤) الكفار، ثم حلَّ بهم خيلُ المسلمين، فاطَّلع عليهم من الحصْن، وقال: أنا مسلمٌ، وإنما تشبهْتُ بهم فَرَقاً منْهم يُقْبَل قولُه، ويُحْكم بإسلامه، وان لم يدع ذلك، حتى مات، فالظاهر أنه ارتدَّ طائعاً؛ وإن مات أسيراً، وعن نصه: أنه لو شهد الشهودُ على أنه تلفَّظ بالكفر، وهو محبوسٌ أو مقيَّدٌ، لم يُحْكم بكفره، وإن لم يتعرَّض الشهود للإكراه، وفي "التهذيب": أن من دخل دار الحَرْب، وكان يسْجُد للصنم، ويتكلَّم بكلمة الكفْر، ثم قال: كنْتُ مكرهاً، فإن فعله في مكانٍ خالٍ، لم يُقْبل قوله، كما لو فعله في دار الإسلام، وإن فعَلَه بين أيديهم، فإن كان أسيراً قُبِلَ قوله، وإن دخَل


(١) سقط في ز.
(٢) في هامش "ب" ما يلي:
لفظ المفعول من الشعور، وهو العِلْم، أي والجماعة المحفُوفُ له بهم عالِمُون به أي بما يقوله، ويوضِّح ذلك بمفعل الزركشي في "التكملة" القول الثاني وهو عدم القوليَّة بقوله بأركان في دار الإسلام أو في دار الحرب، في خَلْوة لا يُشْعر به أحدٌ. انتهى.
(٣) سقط في ز.
(٤) في أ: يد.

<<  <  ج: ص:  >  >>