للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو ارتدَّ الأسير مختاراً ثم رأيناه يصلِّي صلاة المسلمين في دار الحَرْب، فالمشهور [المنسوب] (١) إلى النَّص أنه يُحْكم بإسلامه بخلاف ما إذا صلَّى في دار الإسلام، لا يُحْكَم بإسلامه، وفرق بينهما بأنَّ الصلاةَ في دارِ الإسلام تحتمل (٢) التقيَّة، والإرادة [والصلاة] (٣) في دار الحَرْب لا تكون إلا عن اعتقاد صحيح، ونسب الإِمام جعْلَ الصلاةِ إسلاماً إلى العراقيِّين، واستبْعَدَه، وقال: الوجْه، في قياس المراوزةِ القَطْع بأنه لا يُحْكم بإسلامه كما لو رأينا الكافر الأصليَّ يصلِّي في دار الحرب، قال: ولو حكم [حاكم] (٤) بإسلامه، كان صائراً إلى مذْهب أبي حنيفة، ورأيتُ صاحب "البيان" سوى بين الكافر الأصلي والمرتد، [فقال] إذا صلَّى الكافرُ الأصليُّ في دار الحرْب، حكِم بإسلامه، ولو صلَّى في دار الإسلام، لا يُحْكَم، فدفع الإلزام، ويمكن أن نُفَرِّق بينهما بأن المرتدَّ كان مسلماً، وعلقة الإسلام باقيةٌ فيه، وهو محمول على العَوْد إليه، والعودُ إلى ما كان أهونُ من افتتاحِ أمرٍ لم يكنْ، فجاز أن يُجْعَل الشيْء عَوْداً إلى الإسلام، ولا يجعل افتتاحاً.

وقوله في الكتاب "وفيه احتمال؛ لغموض الفَرْق" يعني بين المرتدِّ وبين الكافر [الأصلي]، ويجوز أن يُعْلَم قوله "بخلاف الكافر الأصلىِّ" بالواو؛ لِمَا حَكَيْنا عن البيان، [والله أعلم].

قال الغَزَالِيُّ: (فَأَمَّا حُكْمُ الرِّدَّة) في نَفْس المُرْتَدِّ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ (فَأَمَّا نَفْسُهُ) فَتُهْدَرُ إنْ لَمْ يَتُب، فَإِنْ تَابَ لَمْ يُقْتَل إِلاَّ إذَا كَانَ زنْدِيقاً فَفِي قَبُول تَوْبتِهِ خِلاَفٌ، وَالظَّاهِرُ القَبُولُ، ثُمَّ في إِمْهَالِ المُرْتَدِّ ثَلَاَثةَ أَيَّامٍ قَوْلاَنِ، فَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَجِبُ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ مَمْنُوعٌ وَجْهَانِ، فَإنْ قُلْنا: يُمْنَعُ فَقَالَ حُلُّوا شُبْهَتِي لَمْ نُنَاظِرْهُ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَ أَوَّلاً ثُمَّ يَسْتَكْشِفَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الطرفُ الثاني في حُكْم الردَّة، وللردة أحكامٌ كثيرةٌ مذكورةٌ في مواضِعَ متفرِّقة، والمقصودُ هاهنا الكلامُ في نفْسِهِ وولَدِهِ ومالِه، أما نفْسُه، فهي (٥) مهْدَرةٌ فيجب قتلُه، إن (٦) لم يَتُبْ سواءٌ انتقل إلى دِينِ أهلْ الكتابِ أو غَيْره، وسواءٌ كان حُرّاً أو عَبْداً رَجُلاً أو امرأةٌ.


(١) في أ: للضرب.
(٢) في ز: فيحتمل.
(٣) سقط في ز.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: ففي.
(٦) لقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس، أخرجه أبو داود (٤/ ١٦٩) في الديات/ باب: الإِمام يأمر بالعفو في الدم حديث (٤٥٠٢) والترمذي (٤/ ٤٠٠) في الفتن/ باب: ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث =

<<  <  ج: ص:  >  >>