للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المِلْك كالعصير يزول الملْك عنه بانقلابه خمْراً، ويعود [بعودِه] خلّاً، قال في "التتمة" وليس كالنكاح المُنْقَطِع بالردَّة، لا يعود بالعود إلى الإسلام؛ لأن الحكم بزوال المِلْك سبيلُه سبيل العقوباتِ، والعقوبةُ تسقطُ بالعود إلى الإسلام، وانقطاع النكاحِ ليس سبيلُه سبيلَ العقوبات؛ ألا ترى أن انقطاعه بردَّة المرأة كانقطاعه بردة الرجل، والنكاحُ حقُّ الزوج، فلا يجوز أن تجعل جنايتها سبباً لعقوبته، وإنما انقطاعه بالردة؛ لفوات الحل بما عرض، لا إلى غايةٍ تُنْتَظَر؛ وعلى هذا القولِ، لا يصحُّ تصرُّفه بالبيع والشرك والإعتاق والوصية وغيرها؛ لأنه لا مال له، وفي الشراء ما قدَّمناه عن الإِمام، وإن قلْنا: يبقى مِلْك المرتد، فيمنع من التصرُّف؛ نظراً لأهل الفيْء، وهل يصير بنفْس الردَّة محجوراً عليه، أم لا بُدَّ من ضرْب القاضي؟ فيه وجهان، ويقال قولان، وهما مشبهان بالخلاف في أنَّه، إذا طرأ السفه بَعد الرُّشْد، يصير [الشخص] (١) محجوراً عليه بنَفْس [السفه] (٢) أم لا بُدَّ من ضرب القاضي، وإنما يجيْء إذا فُرِّع على قول الوقْف.

ثم حَجْر المرتدِّ سواء حصل بنفس الرِّدَّةِ أو بضرب القاضي كحجر السفيه أو كحَجْر المُفْلِس؟ فيه وجهان:

أحدهما: أنه كحَجْر السفيه؛ لأَن تضييع الدين أشدُّ سفهاً من تضييع المال.

وأصحُّهما: أنه كحَجْر المُفْلِس؛ لأنه لصيانة حقِّ المسلمين الذي يتعلَّق بماله، كما أن حجْر المفْلِس لصيانة حق الغرماء في مالِه، فإن قلْنا: لا بدَّ من ضرب القاضي، ولم يضربه، فتصرُّفاته نافذةٌ، وإن قلْنا: يحصل الحجْر بنفسْ الردَّة أو ضَرَبَهُ القاضي، فإنْ جَعلْناه كحَجْر السفه، لم تنفُذْ تصرفاته في المال، وإذا أقرَّ بدين، لم يقبل إقرارُه، وإن جعلْناه كالمُفْلِس، فتصرفاته تُوْقَف أو تَبْطُل؟ فيه قولان، كما ذكرنا في المُفْلِس، وإقراره بالدَّيْن أو العَيْن، كإقرار المفْلِس، وقد مَرَّ، وإن قلْنا بالوقف، فكل تصرُّف يَحْتمل الوقْف، كالعتق والتدبير والوصية، فهو موقوف إنْ أسْلَم نفذ، وإن هلك على الردَّة، فهو باطل، وخلْعه موقوف أيضاً على ما تقدَّم في الخَلْع، وأما [البيع والهبة والكتابة] ونحْوُها، فهي (٣) على قولَيْ وقف العقود، فَعَلَى الجديد، هي باطلةٌ وعلى القديم تُوقف، إن أسلم، حُكِم بصحتها، وإلا فلا، ولا يصحُّ نكاح المرتد، وكذا إنكاحُه؛ لسُقُوط ولايته، قال في "التهذيب": وفي تزْوِيج أمته وجْهٌ غير قويٍّ: أنه يجوز، إذا قلْنا: إن ملكه لا يزولُ، ولم يحجر عليه الحاكم، كسائر تصرفاته المالية، وهذا ما أورده صاحب "التتمة" وغيره، وقالوا: إنه كسائر التصرُّفات التي لا تَقْبل الوقْف.


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: الردة.
(٣) في ز: فهو.

<<  <  ج: ص:  >  >>