للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحكم بالقطْع زجراً؛ لئلا يضيع المال على المالك، وذلك إذا احتاط المالِكُ بصيانة المَال، فإن السارق حينئذ يكُون على خَطَر، من أن يَطَّلع عليه وتَعْظُم جنايته، إذا اختزل منتهزاً للفُرْصة، أما إذا ضيَّع المالك فقد جَرَّأ السارق، ومكَّنه من أخذ المال بلا خطَر، فلا تعْظُم جنايتُه، والتعويلُ في صيانة المال وإحرازِهِ على شيئَيْن:

أحدهما: الملاحظة [والمراقبة] (١).

الثاني: حصانة الموْضِع ووثاقته، فإن لم يكْن للموضِعِ حصانةٌ، كالمال المُوضَعِ في الصحراء أو المَسْجد أو الشارعِ اعتبر مدوامة اللّحاظ، وإن كان له حصانةٌ، انضم إليها اللّحاظُ المعتادَ، كفَى ولم يعتبر مداومته، ويُحَكَّم في ذلك العرْفُ، ثم فَصَّل الغرضَ بالكلام في مسائل:

إحداها: الإصطَبْل حرْزٌ للدوابِّ على نفاستها وكثرة قيمتها، وليس حِرْزاً للثياب (٢) والنقود؛ لأن إخراج الدوابِّ مما يظهر ويبعد الاجتراء عَلَيْه، بخلاف ما يخفُّ ويسْهُل حَمْلُه وإخراجُه، والصِّفة في الدار وعَرصَتِها [حرزان] للأواني وثياب البذلَة دون الحَلْي والنقود، فإن العادَةَ فيها الإحرازُ في المخازِنِ، وكذا الثياب النفيسة تُحَرَّز في الدُّور، وفي بيوت الخانات والأسواق المنيعة، والمتين والمتبن حرز للتبن دون الأواني والفُرُش، وقوله في الكتاب لا "للثياب". وقوله "لا للنقود" ليعلما بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة ما كان حرزاً لمالٍ، كان حرزاً لكلِّ مالٍ، وقوله "والمحرَّزُ ما لا يُعدُّ صاحِبُهُ مضيِّعاً" عبارة مختصرةٌ ضابطةٌ لكنها من قبيل تعريف الشيْء بِضِدَّهِ.

فرْع: الموْضِع الذي هو حِرْز لنَوْع من المال يكونُ حرْزاً لما دونه، وإن لم يكن حرزاً لما فوقه [والله أعلم].

قال الغَزَالِيُّ: (الثَّانِيَةُ) المَوْضُوعُ فِي الشَّارع وَالمَسْجدِ مُحَرَّزٌ بِلِحَاظِ صَاحِبِهِ بِشَرْطِ ألاَّ يَنَامَ وَلاَ يُولِّيهُ ظَهْرَة، وَهَلْ يُشْتَرطُ ألاَّ يَكُونَ زِحَامٌ يَشْغَلُ الحِسَّ عَنْ حِفْظِ المَتَاعِ؟ فِيهِ


(١) سقط في ز.
(٢) قال في القوت: الظاهر أن الإصطبل حرز لأمتعة الدواب الخسيسة كجلالها ورحالها ونحوها مما جرى العرف بتركه هناك بخلاف النفيس من السروج واللجم المفضضة ونحوها، فإن العرف أن تحرز في مكان يفرد لها يغلق غالباً.
وقال الشيخ البلقيني في تصحيح المنهاج: يستثنى منه آنية الاصطبل كالسطل وثياب الغلام وآلات الدواب من سروج وبرادع ولجم ورحال جمال وقربة السقاء والراوية ونحو ذلك مما جرت العادة بوضعه في اصطبلات الدواب، ولعل مراد الشيخ بالسروج واللجم الخسيسة لا النفيسة كما قاله الأذرعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>