للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الشريكَيْن بسرقته؛ وذلك لأن الاختلاط المانعَ من التميز موجبٌ للشركة والشُّيوع، ولو دخل، وأخذ مال نفسه، فلا قطْع بحال، وإن سرق أجنبيٌّ المال المغصوبَ أو المسروقَ، فهل عليه القطْع؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، وإلى ترجيحه مال صاحب "الشامل"؛ لأنه سرق نصاباً من حرْز مثله بلا شبهة.

والثاني: لا؛ لأنَّ المالك لم يرْضَ بإحرازه فيه، فكأنه غير محرَّز، قال في "البيان": وهذا هو الصحيح؛ ويؤيِّده ما أشار إليه الإِمام وصاحب الكتاب في "الوسيط" وهو بناء الوجهَيْن على الخلاف في أنَّه، هل يجوز للأجنبيِّ أخذُ المغصوب؛ حسبةً؛ ليردَّه إلى مالكه؟ إن قلْنا: نعم، فلا قطْع عليه، كما لا قطْع على المالك، وإن قلْنا: لا، فيقطع، والذي أورده صاحب "التهذيب" أنه يُقْطع [إذا] أخذَ على قصْد السرقة، وقال: لا فرْق بين أن يكون عالماً بأنه مغصوب أو لاَ يَكُون، وإذا حَكْمنا بوجوب القَطْع بسرقة المغصوب والمسروق، فالخَصْم فيهما المالكُ، وعن أبي حنيفة: أن الخُصْمَ في السرقة المالكُ، وفي الغَصْب الغاصبُ.

وقوله في الكتاب "وإن جوَّزنا للأجنبيِّ انتزاعَ المغْصُوبِ للحسبة، جرى فيها الوجهان أيضاً" يقتضي تخصيصَ الوجهين بما إذا جوَّزنا له الانتزاع، والجَزْم [بالمَنْع] (١) إذا لم نجوِّزه، وذلك لا ينْطبق على ما حَكْيناه عن الإِمام، وعن "الوسيط" والوجْه بناءُ الخلافِ على الخلاف فيما لا يُشْعِر به لفظ الكتاب.

فرع: إذا سرق الطعامَ في عام القْحط والمَجَاعة، نُظِر؛ إن كان يوجد، لكنَّه عزيزٌ (٢)، والثمن غال، وجب القطْع، وإن كان لا يوجَدُ، ولا يَقْدِر عليه، فلا قطع؛ لأنه كالمضْطَرِّ؛ وعلى هذه الحالة، يُحْمَل ما يُرْوَى عن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنّه لا قَطْعَ فِي عَام المَجَاعَةِ (٣).

قال الغَزَالِيُّ: (الرُّكْنُ الثَّانِي: نَفْسُ السَّرِقَةِ وَهِيَ الإِخْرَاجُ) وَالنَّظَرُ فِي ثَلاَثةِ أَطْرَافٍ: (الأَوَّلُ) فِي إِبْطَالِ الحِرْزِ وَهُوَ بِالنَّقْبِ وَفَتْحِ البَابِ، وَإِنْ نَقَبَ وَعَادَ لِلإخْرَاجِ لَيْلَة أُخْرَى


(١) في هامش ألعله: بالقطع.
(٢) في ز: غرض.
(٣) من حديث إبراهيم بن بعقوب الجوزجاني في جامعه عن أحمد بن حنبل عن هارون بن إسماعيل عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي بكر كثير عن حسان بن أزهر أن ابن جرير حدثه عن عمر قال: لا تقطع اليد في غدق ولا عام سنة.
قال: فسألت أحمد عنه فقال: الغدق النخلة وعام سنة عام المجاعة فقلت لأحمد: نقول به؟ قال: إي لعمري. (تلخيص الحبير ٤/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>