للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: الكلام الذي يقدح في الصلاة عند عدم الأعذار هو ما عدا القرآن والأذكار، وما في معناها فأما القرآن: فإذا أتى بشيء من نظمه قاصداً به القراءة لم يضر، وإن قصد مع القراءة شيئاً آخر كتنبيه الإمام أو غيره والفتح على من ارتج عليه، وتفهيم أمر من الأمور مثل أن يقول لجماعة يستأذنون في الدخول (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ) أو يقول: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) وما أشبه ذلك ولا فرق بين أن يكون منتهياً في قراءته إلى تلك الآية أو ينشئ قراءتها حينئذ.

وقال أبو حنيفة: إذا قصد شيئاً آخر سوى القراءة بطلت صلاته، إلا أن يريد تنبيه الإمام أو المَارِّ بَيْنَ يديه، وكذا لو أتى بذكر وتسبيح في الصلاة، وقصد به مع الذكر شيئاً آخر ففيه مثل هذا الخلاف، وذلك مثل أن يحمد الله تعالى على عطاس، أو بشارة يبشر بها، أو يخبر بما يسوءه فيقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون".

لنا: ما روي عن علي -رضي الله عنه- قال: "كَانَتْ لِي سَاعَةٌ أَدْخُلُ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإنْ كَانَ فِي الصَّلاَةِ سَبَّحَ، وَذلِكَ إِذْنُهُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ أَذِنَ" (١) ولأنه قصد الإفهام والإعلام بشيء مشروع في الصلاة فلا يضر؛ كما لو قصد تنبيه الإمام والمار بين يديه، ونقل صاحب "البيان" وغيره وجهاً عن بعض أصحابنا أيضاً، أنه إذا قصد مع التلاوة شيئاً آخر بطلت صلاته، فليكن قوله: (وإن قصد التفهيم) معلماً بالحاء والواو كذلك، وإن لم يقصد إلا الإفهام والإعلام فلا خلاف في بطلان الصلاة، كما لو أفهم بعبارة أخرى، ولو أتى بكلمات لا توجد في القرآن على نظمها وتوجد مفرداتها، مثل أن يقول: (يا إبراهيم)، (سلام) (كن) بطلت صلاته ولم يكن لها حكم القرآن بحال.

وأما الأذكار والتسبيحات والأدعية بالعربية فلا تقدح أيضاً، سواء المسنون وغير المسنون منها، نعم ما فيه خطاب مخلوق غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجب الاحتراز منه فلا يجوز أن يقول للعاطس: يرحمك الله.

وعن يونس بن عبد الأعلى (٢) عن الشافعي -رضي الله عنه- أنه لا يضر ذلك، وصحح القَّاضِي الرّوَيانِي هذا القول، والمشهور الأول، ويدلُّ عليه ما قدمنا من حديث


(١) أخرجه النسائي (٣/ ١٢)، والبيهقي وقال مختلف في إسناده ومتنه، فقيل سبح، وقيل تنحنح، ومداره على عبد الله بن نجي الحضرمي، قال البخاري: فيه نظر، انظر خلاصة البدر المنير (١/ ١٥٥).
(٢) يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص بن حيان الصدفي أبو موسى المصري أحد أصحاب الشافعي وأئمة الحديث روى عنه مسلم والنسائي وابن ماجة، ولد في ذي الحجة سنة سبعين ومائة ومات في ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين، ابن قاضي شهبة (١/ ٧٢ - ٧٣) العبادي ١٨ الشيرازي ٨٠، ابن حجر في التهذيب (١١/ ٤٤٠)، العبر (٢/ ٢٩)، وفيات الأعيان (٦/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>