للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥] ذَكَرَ فَضْلَ المُجَاهِدِينَ، وَوَعَدَ الْقَاعِدِينَ بالحُسْنَى -أيضًا، ولو كان القَاعِدُونَ تَارِكِينَ للفرض لَمَا كان يعدهم بالجميل، وذكروا لوعيد مَنْ لم ينفر محملين.

أَحَدُهما: أن ذلك كان في حالِ قِلَّة المسلمين، وكَثْرَةِ المشركين، فأمرُوا بالجهاد لئلا يُظْلَمُوا.

والثاني: أَنَّ الوَعِيدَ لِمَنْ عَيَّنَهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فإنه يَتَعَيَّنُ عليه الإجابةُ، وعلى المحملين فقد يثبت التعيينُ في غير ذلك الزَّمَانِ، امَّا لمعْنَى القِلَّةِ، والكثرة فظاهر.

وأَمَّا الثَّانِي فلأَنَّ الإِمامَ إذا عَيَّن جَماعَةً فلا بُدَّ لهم من الطاعة والإذعان، وأمَّا بَعْدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فللكفار حَالَتَانِ:

إحدَاهُمَا: إذا كانوا مستقرين في بلادهم لم يَقْصدوا المسلمين، ولا شَيْئًا من أموالهم، فالجهادُ معهم فرْضٌ على الكفايةَ، ولو فُرِضَ على الأَعْيَانِ، لتعطلت المعائِشُ والمكاسِبُ، ويدل عليه ما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من جَهَّزَ غَازِياً فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خلَف غَازِياً فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَدْ غَزَا" (١) وإن امتنع الكُلُّ عنه لحق الحرج، أو يعمهم أو يختص الذين ندبوا إليه؟ (٢).

حكى القاضي ابن كَجٍّ فيه وجهين، وإن قام به مَنْ فيه الكفاية، سقط عن الباقين، وذكر الأَصْحَابُ: أن الكفايةَ تحصُل بشَيئيْن:

أحدُهما: أن يشحن الإِمام الثغور بجماعة من بإزائهم مِنَ العدُوِّ، ويكافِئُونهم، وَينْبَغي أن يَحْتَاط بإحكام الحصون وحفر الخنادِقِ ونَحْوِهما ويرتب في كل ناحية أميراً كافياً يقلِّده الجِهَادَ، وأمُورَ المسلمين.

والثاني: أن يدخل [الإِمام] (٣) دار الكُفْرِ غازياً بنفسه، أو يبعث جَيْشاً يؤمر عليهم مَنْ يَصْلُحَ لذلك، وأقله مرة واحدة في كُلِّ سَنَةٍ، وما زاد كان أفضل، والأَوْلَى أن يبدأ بقتال مَنْ يَلِي دارَ الإِسلامِ؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: ١٢٣] وإن كان الخوفُ من الأَبْعد أكثَرَ بدأ بهم، ولا يجوزُ إِخْلاَءُ السنة عن مرَّةٍ واحدَةٍ إلاَّ لضرورةٍ بأَنْ يكُون في المسلمين ضَعْفٌ، وفي الأَعْدَاءِ كثرةٌ، ويُخَافُ


(١) متفق عليه البخاري [٢٨٤٣، مسلم ١٨٩٥] من حديث زيد بن خالد، دون قوله: وماله، وروى مسلم من حديث أبي سعيد أيكم خلف الخارج في أهله وماله، كان له مثل نصف أجر الخارج، واستدركه الحاكم فوهم.
(٢) قال النووي: الأصح أنه يأثم كل من لا عذر له كما سيأتي بيان الأعذار إن شاء الله تعالى.
(٣) سقط في أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>